سكبَ الليلُ بعضَه في الدنانِ

عبد القادر الحصني-شاعر سوري

 

سكبَ الليلُ بعضَه في الدنانِ
وسقاهُ من مُرِّهِ وسقاني

غربةٌ فَقدُ من تحبُّ
وللمفقودِ ممن يحبُّهمْ غربتانِ

ودعائي إذا احتوانا مكانٌ
يا صديقي أن لا تكون مكاني

*

حينما ألتقيكَ أشفقُ: ماذا
يعتري مَن يراكَ وهو يراني؟!

قولُهُ: أنتَ متعَبٌ لا يعنّي
مثلَ لو قالَ: أنتما متعَبانِ

*

فاحتملْني، احتملْ من الحبِّ قلباً
حين يعرى يكاد أن ينساني

وأنادي عليه: بعدُ شتاءٌ
لمَ لا تستعيرُ من قمصاني؟!

أستحي منه حالماً بربيعٍ
رغم وقْعِ الفؤوسِ في الأغصانِ

ويعزّي جراحَ هذا المغني
أن تراهُ مُضَمَّداً بالأغاني

*

ولهذا أتيتُ أشربُ نخباً
من سجاياكَ أحرفاً ومعاني

ألبستْها الرؤى فُجاءَةَ طفلٍ
بين حُرَّينِ: قلبِه واللسانِ

في زمانٍ يريدُ طبلاً، أصيخوا
كم تعاني أوتارُ هذا الكمانِ!

كم تضيقُ السماءُ!
كم يعطشُ الماءُ!
وكم تفقدُ الأمانَ الأماني!

*

إيهِ يا باسمُ، القصيدةُ أحلى
حين تندى من قدِّها الريانِ

يستضيفُ الندى ذُكاءً إليهِ
ناشراً لونَها على الألوانِ

في صبايا،
إنْ يعطشِ الماءُ خمراً صرنَ، من رقَّةٍ،
وهنَّ أواني

غيرَ أنّا – وأنتَ تدري – نديما
ما بهذي الأكوانِ من أشجانِ

نقرأُ الليلَ والنهارَ كتاباً
في كتابٍ، لكنْ بلا عنوانِ

ثمّ نغضي، الظلامُ والنورُ فينا
من عصورٍ أعماقَنا يسكنانِ

فإذا الشعرُ مرَّ صوَّرَ أحلى
منهما، من خياله الفتّانِ

القرى في المساءِ،
أجملُ من شمسٍ وظلٍّ معراجُها في الدخانِ

ليس بالخبز وحده…
وحده الشعرُ انتظارُ الإنسان للإنسانِ

*

شاعري أنتَ. شاعرٌ من صفاءٍ
من نقاءٍ، من رعشة الوجدانِ

من ينابيعَ عتّقتها دهورٌ
في ضمير الجبالِ والوديانِ

لو ترشَّفْتَ، سرُّ خمرتها الإنسانُ،
لكنْ مذاقُها لبناني

( باسم هو الصديق الشاعر باسم عبّاس)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى