الجرافيتي كسا فلسطين لحما.. حتى تسقط الجدران
نداء يونس |فلسطين
معلش طويل شوي.. لكن ….
ننتظر منذ خمسة أشهر وبحماسة هذه اللحظة؛ لحظة إطلاق القصص الرقمية من مشروع “We Are Stories” المنبثق من مساق (صحافة البيانات وتحليل مواقع التواصل)في برنامج ماجستير الإعلام الرقمي في جامعة القدس. تحويل البيانات الكبيرة لقصص، و”تجريف” بيانات مواقع التواصل وتجعل منها حكاية كان ممتعاً ومُتعباً.
وُظفت فيه العديد من تقنيات السرد الرقمية، وبرمجيات بايثون وأدوات تحليل البيانات في أسلوب سرد بصري جديد على البيئة الإعلامية الفلسطينية. كان تحدياً كبيراً لطالبات وطلاب المساق. لقد تعبوا جداً. وأشكرهم جداً، يقول د. نادر صالحة – أستاذ المساق.
تكمن فلسفة هذا المشروع ببساطة في البناء على قدرة الجدران والجرافيتي على اجتراح التناقض بين ثنائيتي الجمال والقبح في السياق الكولونيالي الاسرائيلي.
هذا المشروع الذي يمكن ترجمته إلى دق الجدران – الدق على الجدران أو طرقها يبتدأ بقصة حب، حيث يرسم فتى فلسطيني يقف بين الرصاصة والجدار ما كان يمكن أن تقوله الشهيدة العاشقة التي قتلها جنود الاحتلال على شكل جرافيتي يخلد سياقا يتحدث فيه الرصاص نيابة عن الإنسانية كلها ويحتفظ إلى الأبد بقصص الحب وأساطير المعاناة.
ينتقل السرد الرقمي للجرافيتي والجدران في هذا المشروع إلى محطات زمنية من خلال تقنية الفلاش باك التي تم توظيفها لكتابة هذه السرية وهي إحدى تقنيات كتابة الرواية ويتوزع على أزمنة حاضرة وماضية مثل محو الجرافيتي في الشيخ جراح وقصة الحي الذي صار بلدا والرسم على الجدران في غزة بعد الحرب أو الرسم على الموت وجرافيتي الانتفاضة الأولى وجرافيتي المخيمات في الوطن والشتات التي تمت رقمنتها حيث لا مصادر واحدة أو وافية تعكس أوضاعها ثم يعود إلى جدلية الرسم على جدار الفصل العنصري الذي يخنق الفلسطينيين ولم يسقط بعد كجدار برلين أو الجدران التي بنتها طالبان وحاربها الأفغان الشباب بالرسم والهدم.
لمتابعة القضية.. ادخل الرابط التالي:
http://aqu-wearestories.space/WeareStories/knocked-the-wall
العمل الذي يرقمن في سرديته اللغوية الكثير من المفاصل والتمفصلات في سيرة الجرافيتي والجدران، سيرة الشعب الفلسطني المطوق، يكشف من خلال مواقع التواصل الاجتماعي عبر منصات رقمية عن فجوة بين الحضور الرقمي الفلسطيني الجرافيتي في الفضاء السبراني مقابل وفرة في حضوره عبر التاريخ وعلى الارض.
هذه الفجوة تتزامن مع فجوة جمالية، ففي ظل الاحتلال الإسرائيلي، تجترح الجدران والجرافيتي ذاك التباين بين الجمال والقبح.
إنها تسرد القصة: كيف علقت حياة الفلسطينيين بين الانقسامات، وإسقاطات المفارقات المتناقضة، والأيقنة، والجدران.
وعبر تاريخ طويل من تلك التمثلات، كان الفلسطينيون بأعمارهم كافة يحاولون الإمساك بالجمال رغم أنهم مطوقون بالخيام، والاقتلاع، والاغتراب والتشتيت، ومخيمات اللاجئين، والخيارات المريرة، والحروب وجدار الفصل العنصري؛ هم الذين تم التخلي عنهم واستبعادهم من المكان والزمان.
ما زال الفلسطينيون يختنقون منذ 73 عاما وحتى الآن، فماذا فعلوا لمواجهة القبح وسرقة أرضهم؟ رسموا الجرافيتي! استمروا في الرسم في كل مكان حتى على جدار العزل العنصري الإسرائيلي.
رافقت الكتابة على الجدران ورسم الجرافيتي الفلسطينيين لمدة طويلة وعبر رحلة شاقة في الوطن والشتات، وروت الطريقة التي يناضلون بها، وحالات الإحباط التي مروا بها وغضبهم وحبهم وتشبثهم بالحياة.
ومن المفارقة القول، بأن الجرافيتي كسا فلسطين لحما: لونا وحياة، حيث يتم إعادة تمثل أصوات الفلسطينيين المضطهدة وترحيلها عبر التاريخ والزمن، ودون أن يعني ذلك السعي إلى تخليق جماليات اللحظة بقدر ما عني الأمر إبراز القبح الذي ينبغي تقشيره وإزالته، هذه المفارقة التي ستبقى حيه حتى تسقط الجدران.
كانت الفكرة أن نروي فلسطين رقمياً باسلوب جديد وقابل للتعديل والتطوير بشكل مستدام يجاري القصص الرقمية في كبريات الصحف العالمية.
القصة الرقمية كائن حي. القصص الرقمية بطريقة الفيديو الشائع غير قابلة للتطوير والتحديث والتحكم بالتدفق، وسريعة الانطفاء؛ “فُرجة أكثر، محتوى أقل”.
من هنا طورت الصحافة المحترفة طريقتها في السرد الطويل القابل للتعديل للهروب من سطوة ثقافة مواقع التواصل الاستهلاكية لاسلوب “فُرجة أكثر ومحتوى أكثر”.
معظم القصص في هذه التجربة باللغة الإنجليزية لتصدير الرواية الفلسطينية على أوسع نطاق، هكذا يعكس د. صالحة فلسفة المساق.