ربط الأسباب بالمُسَبَّات

خالد رمضان | كاتب مصري
يحيا المرء حياته تكتظ بالأمنيات والٱمال والأحلام والرغبات تقض مضجعه، وتؤرق مرقده، تشغل باله وتثير أذهانه، تلك الأماني السامقة والأفكار الشاهقة بها يتميز عن غيره حيث يفكر ويقدر يرغب ويرهب يصارع الحياة فتارة تغلبه وتارة يغلبها، فتصير حياته مشيجا بين الفرحة والحسرة، بين الصفاء والكدرة، وقديما قالوا :
الشديد من عركته الشدائد حتى يصبح عوده صلبا قويا يُرجَى وعدُه، ويُخشى وعيده .
وما نيلُ المطالب بالتمني
ولكن تُؤخذ الدنيا غِلابا
وما استعصى على قومٍ منالٌ
إذا الإقدامُ كان لهم رِكابا
وبين جنبات هذا الصراع يحدوك أمل وبصيص من الرجاء يدفعك دفعا حتى تركض وراء هدفك ركض الوحوش في البرّية، فتغامر وتخاطر وتصابر وتثابر تعلوك الفرحة، ويغمرك السرور والحبور حتى تروي غُلّتك، وتحقق بغيتك، وهنا سؤال يجول في الأذهان :
هل لابد من وجود الأسباب؟
إذا كان الله تعالى قدر ما يؤول إلىّ فلمَ السعي ؟
إذا كنت ناجحا في علم الله فلمَ الجد والكد ؟
تساؤلات تغور في أعماق الرأس تشغل بالك وتحير فكرك، وما لا تدريه أن إجابتها بين يديك لو أحسنت الظن بالله رب العالمين.
إن الدين الحنيف نفى التواكل، وحث على التوكل والأخذ بالأسباب، وكتب وقدّر المقادير قبل أن يخلق الخلق، ومنحك عقلا ثاقبا وفكرا صائبا، وما كتبه وما قدّره لم يفرضه تعالى عليك، فكيف يفرض تعالى أمرا ثم يأتي ويحاسبك عليه ؟ حاشاه تعالى
إنما كتب ما كتب لسبق علمه تعالى بما ستفعله لا ليصير قدرا محتوما عليك.
أما عن الأسباب التي أمرنا تعالى بالأخذ بها فهي أمر حتمي، فلم يخلقنا الله تعالى عبثا ( حاشاه ) إنما خلقنا للعمل والسعي وحثنا على الأخذ بالأسباب وطرق الأبواب، فلا تواكل ولا اتكالية، ومعا نسوق الأدلة :
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فوجد رجلا منقطعا للعبادة، وهل هناك أفضل من الطاعة وفي بيت الله؟
لكن انظر إلى ردة فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:
أيكم يكفيه طعامه وشرابه ؟
تخيل لم يُعجَب بانقطاعه عن العمل، وتركه السعي في عرصات الدنيا، إنما سأل عمن يكفله، فقالوا :
أخوه يا رسول الله
قال : أخوه خيرٌ منه .
ودليل ٱخر على ضرورة الأخذ بالأسباب حيث قال صلى الله عليه وسلم: ” لوأنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا”
فقرن الرزق بالسعي حيث تغدو في الصباح سعيا على رزقها، وتروح أي ترجع ٱخر النهار، تأمل حتى هذه الطيور العجماوات تغدو وتروح، فلا يأتيها رزقها حتى أفواهها .
فلا تكن كهذا الذي جفت أرضه على حافة النهر، فبدلا من أن يصب الماء فيها، قام فتوضأ من النهر ثم أخذ يصلي ويدعو الله تعالى أن يسقي أرضه القحلاء .
الأخذ بالأسباب أمر حتمي، فحينما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَ رجل تشققت من قسوة العمل قال : ” هذه يد يحبها الله ورسوله “.
نكمل الأدلة المنوطة بما نقول، حين حضر المخاض مريم عليها السلام وتلك أشد حالات الضعف لدى النساء قال تعالى لها ” وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا “
ما أنزل الله عليها الرطب من السماء، ولا أخرج من تحت أقدامها الماء إنما أمرها بالأخذ بالأسباب، وهل تقوى تلك المرأة الضعيفة عل هز نخلة لا يقوى عليها الرجال الأشداء؟
بالطبع لا
لكن افعلي وستبهرين بالنتائج .
وهل كان موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في حاجة إلى عصا ليشق البحر شقا ؟
وهل كان خليل الله إبراهيم يستطيع بصوته حين يؤذن أن يُسمع الدنيا بأسرها ؟
إن الأخذ بالأسباب من صميم اليقين .
قال تعالى : ” ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون”
وقال : ” فلا اقتحم العقبة “
كل هذي الٱيات الكريمات تحثنا وتحدثنا عن الأخذ بالأسباب.
وفي الأخير نقول :
إن هذه الأسباب ليست حتمية النتائج، إنما هي إرادة مسبب الأسباب سبحانه وتعالى، فعلينا السعي وليس علينا إدراك النجاح .
هل عصا موسى هي التي شقت البحر المتلاطم موجه؟
هل يدا امرأة ساعة ولادتها تستطيع أن تهز نخلة ؟
هل يعقل أن يهزم ثلاثة ٱلاف مئات الآلاف ؟
هل صوت رجل يسمع الدنيا بأسرها ؟
هل يعقل أن يقتل طفلان لم يبلغا الحلم دبابة بشرية كأبي جهل ؟
هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى كل هذا العناء حتى يبلّغ رسالته ؟
هل الطبيب هو الذي أبرأ بدوائه ؟
هل الفلاح هو الذي أخرج الجذور من الحبة، ورفع الفروع والأغصان، وأخرج الأوراق والثمار ؟
الإجابة بالطبع لا .
إن فوق الأسباب مُسبّبٌ للأسباب وهو سبحانه وتعالى، فقد مرض رسولنا صلى الله عليه وسلم وتداوى وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تواكل ولا اتكالية إنما السعي والكد واليقين أن النتائج من عند الله سبحانه وتعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى