الكيان الصهيــ،،،ـــــYـوني يواجه عزلة دولية غير مسبوقة

د. هبة العطار| أكاديمية وإعلامية مصرية
لم يكن المشهد الذي شهدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، حين غادر عشرات الدبلوماسيين والمندوبين القاعة لحظة استعداد بنيامين نتنياهو لإلقاء كلمته، مجرد حركة احتجاجية عابرة، بل رسالة سياسية صريحة تكشف عن عمق التحولات الجارية في الموقف الدولي تجاه الكيان الصهيــ،،،ـــــYـوني. فالصورة الرمزية التي التقطتها عدسات الإعلام عكست ما هو أبعد من لحظة عزلة دبلوماسية، إذ مثّلت رفضاً متنامياً لسياسات احتلالية توسعية فقدت أي غطاء أخلاقي أو قانوني.
التحول الأوروبي الأخير، الذي تُرجم في اعتراف عدد من الدول بدولة فلسطين، لم يأتِ من فراغ. بل جاء نتيجة تراكمات ممتدة، أبرزها الجرائم اليومية في غزة والضفة الغربية، لكن أيضاً بسبب وقائع أحدثت صدمة للرأي العام الغربي، منها استهداف سفن المساعدات الإنسانية ومحاولات الكيان عرقلة وصولها. أوروبا، التي ترى في حرية الملاحة والتجارة ركناً أساسياً في أمنها القومي، لم تستطع أن تتجاهل اعتداءً مباشرًا على قواعد القانون الدولي البحري. لقد بدا الكيان الصهيوني وكأنه لا يكتفي بمحاصرة شعب أعزل، بل يهدد أيضاً أحد أهم مبادئ النظام الدولي.
وهنا لعب الإعلام الأوروبي دوراً محورياً. فصور السفن المستهدفة والمساعدات المحاصرة تصدرت نشرات الأخبار وصفحات الجرائد، لتكشف للرأي العام أن ما يجري ليس “نزاعاً حدودياً” كما يروج الكيان، بل سياسة ممنهجة تعكس منطق القوة العمياء. هذا التناول الإعلامي ساهم في تغيير المزاج الشعبي، فارتفعت الأصوات المطالبة بموقف حازم من الحكومات، وأصبحت تكلفة التواطؤ مع الكيان أعلى من قدرته على الاحتمال سياسياً وأخلاقياً.
تلك السياسات عمّقت الفجوة بين الكيان الصهيــ،،،ـــــYـوني وأوروبا. فالمجتمعات الأوروبية لم تعد قادرة على تقبّل ازدواجية حكوماتها في الدفاع عن “حقوق الإنسان” من جهة، وغض الطرف عن انتهاكات صارخة من جهة أخرى. ومع تزايد الضغوط الشعبية والبرلمانية، وجد صناع القرار أنفسهم أمام لحظة حسم: إما الاستمرار في التواطؤ، أو اتخاذ خطوات تعيد شيئاً من التوازن لمصداقيتهم السياسية. ومن هنا جاء الاعتراف بدولة فلسطين كرسالة سياسية وأخلاقية في آن واحد.
المفارقة أن الكيان الصهيــ،،،ـــــYـوني نفسه هو من سرّع هذا التحول. فكل مجزرة فى غزة، وكل توسع استيطانى، وكل اعتداء على قافلة مساعدات، كان بمثابة رصاصة جديدة في رصيد شرعيته المزعومة. وإذا كان قد اعتاد على حماية مطلقة من حلفائه الغربيين، فإن هذه الحماية بدأت تتآكل مع إدراك أوروبا أن الانحياز الأعمى يقوض صورتها في الداخل والخارج.
إن ما نشهده اليوم ليس مجرد تبدل في المواقف، بل بداية مسار طويل يُكرّس حقيقة أن الكيان الصهيــ،،،ـــــYـوني لم يعد محصناً سياسياً كما كان ،
إن انسحاب المندوبين من خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة كان إشارة رمزية، لكنها تحمل في جوهرها دلالات أعمق ؛ أن العالم لم يعد يتسامح مع الاحتلال، وأن الرواية الصهيــ،،،ـــــYـونية تفقد يوماً بعد يوم قدرتها على الإقناع، فالعالم لا يتغير بضجيج الخطابات، بل بلحظات الصمت التي تفضح المتحدث قبل أن يبدأ. انسحاب المندوبين من قاعة الأمم المتحدة كان أبلغ من أي بيان، لأنه جسّد الحقيقة التي يحاول الكيان الصهيــ،،،ـــــYـوني إخفاءها: أن القوة العسكرية لا تصنع شرعية، وأن الرواية الاستعمارية مهما طالت لا تصمد أمام ضمير إنساني يرى الواقع بوضوح. اليوم يتشكل ميزان جديد، فيه لا تنتصر الدبابات بقدر ما تنتصر العدالة، ولا يحكم التاريخ إلا بما يبقى في الذاكرة الإنسانية من أثر.



