“إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”

بقلم: هدى حجاجي
في خضم الصراعات، وتقلّبات الحياة، وتحديات الطريق، تأتي هذه الآية الكريمة كمنارة تهدي القلوب، وتشد العزائم: “إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ”، كلمة واحدة من رب العالمين، تكشف عن سُنَّة من سننه التي لا تتبدل: النصر من عند الله، لكنه مشروط بنصرتك له أولاً. فما معنى نصرة الله؟ وكيف يتحقق نصر الله للعباد؟ وما آثار هذا النصر في حياة الفرد والمجتمع؟ هذا ما نتناوله في السطور التالية. أولاً: معنى “إن تنصروا الله” قد يتبادر إلى الذهن تساؤل: هل يحتاج الله سبحانه إلى من ينصره؟ والجواب: كلا. فالله غني عن العالمين، لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين، وإنما المقصود بـ”نصرة الله” هو: نصرة دينه وشريعته، والقيام بما أمر به من إيمان وعمل صالح، ودعوة إلى الحق، وجهاد في سبيله. قال السعدي في تفسيره:
“إن تنصروا الله باتباع دينه، والقيام بأمره، وجهاد أعدائه، ينصركم على أعدائكم، ويثبت أقدامكم عند لقاء عدوكم.”
ثانيًا: كيف ننصر الله؟ نصرة الله لا تقتصر على الجهاد في المعارك فقط، بل هي شاملة لكل نواحي الحياة، ومن صورها: 1. الالتزام بأوامر الله ونواهيه باتباع منهجه في كل صغيرة وكبيرة: في العقيدة، والعبادات، والأخلاق، والمعاملات. 2. نصرة المظلومين والدفاع عن الحق سواء بالكلمة أو الفعل أو الموقف، فالله ينصر من ينصر عباده الضعفاء. 3. الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والعمل على نشر القيم الإسلامية وتصحيح المفاهيم المغلوطة. 4. الصدق والإخلاص في العمل فكل من يعمل بإخلاص في سبيل الله، فهو في نصرة دينه. 5. الثبات على المبادئ في أوقات الفتن والشدائد عندما يضعف الناس، وتكثر الضغوط، يظهر أنصار الله الحقيقيون. ثالثًا: “ينصركم ويثبت أقدامكم” – نتائج نصرة الله الله لا يترك من ينصره، بل يُجزيه بنصر أعظم، وثبات أقوى، وتوفيق دائم. وتأمل في قوله: 1. “ينصركم” أي يعينكم، ويحقق لكم الغلبة، ويجعل لكم العاقبة. قد يكون النصر عاجلًا أو آجلًا، ظاهريًا أو معنويًا، لكنه نصر مضمون من الله. 2. “ويثبت أقدامكم” أي يُعطيكم القوة النفسية والروحية في مواجهة المحن. فالثبات ليس بالأقدام فقط، بل ثبات القلب والإيمان والمبدأ. في وقت تهتز فيه القلوب، يُثبت الله من ينصره. رابعًا: أمثلة من القرآن والسيرة • نصر الله للمؤمنين في بدر عددهم كان قليلاً، وعدّتهم ضعيفة، لكنهم نصروا الله، فنصرهم:
“وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ” (آل عمران: 123)
• نصر الله لموسى عليه السلام عندما قال:
“كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ” (الشعراء: 62)
فنجاه الله، وأغرق عدوه. • ثبات أصحاب الأخدود وأصحاب الكهف رغم الاضطهاد، لم يتنازلوا عن إيمانهم، فخلّد الله ذكرهم، وجعلهم مثالًا للثبات. خامسًا: لماذا قد يتأخر النصر؟ أحيانًا يشعر الإنسان أنه نصر الله، ولكنه لم يُنصر بعد، وهنا نقول: قد يكون النصر في طريقه، ولكن الله يُمهّد له بالابتلاء. أحيانًا يكون النصر معنويًا: ثباتًا على الدين، ورضا داخليًا، وسكينة في القلب. الله أعلم بمواضع النصر والزمن المناسب له، والمؤمن يُؤمر بالثبات لا بالاستعجال. “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم” ليست مجرد آية، بل وعد رباني، وسنّة إلهية، ومنهج حياة. إنها دعوة للمؤمنين أن يكونوا في صف الله دائمًا، لا في صف الهوى أو الشهوات أو الباطل. فمن أراد النصر في دنياه وآخرته، فليبدأ هو أولًا بنصرة الله. وحينها فقط، سيجد التأييد، والتثبيت، والنور في الطريق.
“وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين”
(الروم: 47)




