لن يصلح العطّار ما أفسد الدّهر
رشيد مصباح (فوزي) |المغرب
ليس من باب التشاؤم، والتشاؤم ليس من ديننا ولا من طبعنا. ولا يُعتبر التشاؤم سلوكا حضاريا، والموت أحيانا أهون من التشاؤم واليأس، يقول أبو ماضي:
أَيُّهَذا الشاكي وَما بِكَ داءٌ
كَيفَ تَغدو إِذا غَدَوتَ عَليلا
إِنَّ شَرَّ الجُناةِ في الأَرضِ نَفسٌ
تَتَوَقّى قَبلَ الرَحيلِ الرَحيلا
لكن الإنسان يفقد الأمل و يدخل في حالة من اليأس والقنوط؛ يفقد الثّقة معه ومن الوسط أو المحيط والمجتمع الذي يعيش ويعاني فيه من اليأس و الإحباط.
وللقائمين على أمور النّاس دور في هذا اليأس؛ الذين بيدهم الحل والرّبط هم من يتسبّبون في ذلك بتخلّيهم عن مهامهم الأساسية الموكلة إليهم، والجري وراء مصالحهم الشخصية.
والأوضاع التي نعيشها في هذه الأيّام، لا تبعث على التفاؤل؛ ولا شيء هناك يدلّ على أن الأمور ستتغير نحو الأفضل.
بالأمس فحسب، كنتُ واقفا رفقة أحد الأصدقاء؛ من المحسوبين على النّخبة. على الأقل في الوسط الذي أعيش فيه، وحدثت هناك ضجّة في الطريق الرئيسي، والذي يُعدّ بمثابة الشريان الأبهر بالنسبة لمدينة مداوروش، وذلك بسبب تعنّت سائق أوقف سيارته وسط الطريق متسبّبا في زحمة مرورية أدّت إلى انسداده.
وقفنا جميعا نتابع المشهد، و الصّديق جنبي في حالة من الانفعال يلوم ويسخط في أصحاب المركبات الذين قاموا بركن مركباتهم في المكان الخطأ، متسبّبين في هذه الزّحمة المروريّة.
لقد استفاد قطاع الهياكل والمنشآت الأساسية و القاعدية في ولاية سوق أهراس في زمن ليس بالبعيد؛ في عهد البحبوحة المالية؛ حين بلغ أو فاق سعر البرميل الواحد للذّهب الأسود (120) مئة وعشرين دولارا، من غلاف ماليّ قُدّر ببليار سنتيم: ألف مليار سنتيم، تمّ توظيفه في بناء هياكل وجسور ومسالك… في محاولة لعصرنة الطّرقات، للقضاء على الزحمة المرورية.
وكما تم تحيين قوانين المرور، بما يتماشى مع هذه العصرنة؛ وأُقيمت لوحات الإشارات المرورية، لتنظيم حركة المرور داخل المحيط العمراني؛ بما في ذلك التي تمنع دخول المركبات الثّقيلة في أوقات محدّدة.
كما تم تسخير فرق رجال الشّرطة لمراقبة هذه الحركة داخل المحيط العمراني… وكما هو الشّأن بالنسبة لكل المشاريع والانجازات في بلادنا، ذهب كل ذلك أدراج الرياح.
هذا عيّنة من الواقع المزري الذي تعيشه بلادنا؛ ففي لحظة ما يتبادر إلى ذهنك أن الأمور تسير نحو الأفضل، ثم لا تلبث أن تعود إلى ما كانت عليه؟ بل وإلى أسوأ ما كانت عليه في أغلب الأحيان. والخاسر الأكبر في هذا كله هو الوطن، وليس غيره.
يعاني هذا الوطن ومنذ فجر الاستقلال الأوّل، من مساوئ عديدة؛ بسبب سوء التسيير وغياب الكفاءة والرّقابة… فكم من الأموال يجب صرفها كي ينهض هذا الوطن بأبنائه ويلتحق بركب الدول الطّموحة التي تأمل في تغيير المنظومة أو النّظام العالمي، ولا أظن أن القضية قضية أموال بقدر ما هي قضية نزاهة وصرامة والتزام الرّجال؛ وإرادة حقيقية في التغيير الشّامل، وتوظيف للكفاءات، وضرب بيد من حديد لكل من تُسوّل له نفسه الوقوف في وجه الحركة والتسبّب في انسداد وزحمة المرور.