مقال

رفقا بالقوارير

بقلم: خالد رمضان
كلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لغلام يُدعَى أنجشةَ، كان حسنَ الصوت يحدو الإبل على السير حتى أسرعت، وكانت تحمل أمهات المؤمنين- رضي الله عنهن .
ما أروعه من تشبيه، وما أبدعه حين يجري على لسان من لا ينطق عن الهوى، حيث شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء بتلك القوارير الزجاجية الشفافة الصافية النقية، فهو تشبيه فيه ما فيه من المعاني، فالقارورة تحمل بين جنباتها سر الحياة وهو الماء، فكأن تلك النساء هن سر الحياة لنا جميعا رجالا وأبناء، وإخوانا فلا حياة بدون نساء كما أنه لا حياة بدون مياه.
الأمر الثاني وهو ما أود الحديث عنه إذ كيف لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورأسه تحوي هموم الدعوة الإسلامية كلها، وهم تبليغ الرسالة للناس كافة يحرص على سلامة نسائه جميعهن، بل ويتابع ما يفعله الحادي، وكيف لهذا الحداء أن يستحث الإبل ويطربهن حتى يركضن بسرعة قاسية لا تعود بالخير على أمهات المؤمنين، ثم كيف له ألا يترك الأمر هكذا بل ينبه الحادي قائلا : يا أنجشةُ رفقا بالقوارير.
إن هذا الأمر لا ينبغي أن يمر مرور الكرام دون تأمل وتدبر، هل هذا أمر عفوي؟! أم إن له مغزى حياتي وتشريعي؟
إن المرأة في حياتنا كنز ثمين لمن تعقل وتفكر، وهي مخلوق ضعيف تستمد قوتها من الرجل، فهي ظله الحاني، وثمره الداني وقلبه النابض بالحياة.
هي النبتة الغضة الطرية التي إذا تعهدتها بالرعاية والسقاية أورقت أيّما إيراق، وإن أهملتها أو عنفتها ذبلت وذهبت نضارتها وأصبحت هشيما تذروه الرياح .
خلق الله تعالى الرجل ابتداء في صورة ٱدم عليه السلام، ثم خلق له زوجه حواء من ضلعه ليسكن إليها، ويحنو عليها، حيث جعل الله تعالى السكن إلى الزوجة ولم ينسبه إلى الجدران والمباني رغم صلابتها وقوتها، وكأن المرأة تحوي بين أضلعها القوة الناعمة التي لا تعدلها قوة، ولا يضاهيها حنوّا .
وفي المقابل جعل الله تعالى الرجال قائمين على النساء، وأمرهم بحسن عشرتهن، وإتمام رعايتهن، والرحمةوالشفقة عليهن، والإحسان إليهن .
المرأة بدون رجل ريشة في الهواء تتقاذفها الريح حيث تشاء، فالرجل في حياتها الهواء الذي تتنفسه، والفلك التي تمخر بها متلاطمات الحياة ومٱسيها .
فتجد الأخت تقوى بأخيها، وتشتد البنت بأبيها، ترى فيه الأمان والاطمئنان، يغدقها بخيره، ويكلؤها بعينه ، ويحفظها بقلبه حتى تشب أمام عينيه زهرة باسمة، وعروسا يافعة، فيسلمها بيديه لرجل يكون أقرب إليها منه كما يقول المولى سبحانه وتعالى” وأخذن منكم ميثاقا غليظا ”
فتكون له زوجة ولأبنائه أما .
ذلك المخلوق الرقيق الذي لا يقوى على مواجهة الحياة وويلاتها، ولا الأيام وتقلباتها.
المرأة مخلوق لطيف تكسره كلمة، وتحييه بسمة، وتسعده نظرة ، فإذا لم تكن لها أنت فمن يكون؟
إذا تخلى الأب عن ابنته، والزوج عن زوجته ، والأخ عن أخته فمن يكون لهن ؟!
هل تتركها تصارع الحياة بمفردها فتكون فريسة سائغة في أفواه الضالين المضلين .
الرجل في حياة المرأة حارس أمين وحصن حصين من براثن الزمن ، وسطوات الليالي .
إن المرأة وإن اعتلت المناصب الرفيعة، أو الوظائف المهيبة، أو حصلت الشهادات السميكة، وإن تظاهرت بالقوة الزائفة، أو البسمة الباهية ، أو الثقة المزعومة تحمل بين جنباتها ٱلام الوحدة والضعف وانكسارات الوهن والضياع .
تزداد ٱلامها، وتلتهب أنفاسها حينما ترى زوجة تداعب زوجها، أو أمّا تحمل وليدها، في تلك اللحظة تنهار كل المناصب أمام عينيها ، وتتهاوى كل تلك العروش بين يديها، وتتمنى أن لو كان له زوج يأخذها بين ذراعيه، يفضي إليها وتفضي إليه.
يزداد عذابها، وتُضرم نيرانها حين تعود لبيتها، وتغلق عليها بابها، فتنزع كل النياشين والأوسمة من على كتفيها فإذا بها وحيدة شريدة لازوج يداعبها وتداعبه ويسامرها وتسامره .
هل أنتِ يا حواء إلا قطعة
مني استقلت عن كياني
مازلت أبحث عنكِ
في كل الأماكن والزمان
لا يعرف القلب السكينة
إن نأيتِ عن العيان
لكنني أبغيكِ يا حواءُ عالية المكان .
إن نساءنا قواريرنا الثمينة نحرص عليها ونسكن إليها، فهي معنا في مأمن عن عبث العابثين، أوأيدي المعتدين فلا نتركها ليشرب منها غيرنا، ولا أن يهتم بها سوانا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى