بين كنزة وإليزا..إلى أين يقودنا الذكاء الاصطناعي؟
علي جبار عطية|العراق
مع تيسيرها لسبل العيش تستمر التكنولوجيا المتطورة بالتخريب، وتصنيع المشاعر المزيفة، وتدمير أنبل العواطف الإنسانية، والانسلاخ عن الواقع، وصنع الأوهام.
تابعتُ قبل مدة فوز الفتاة الافتراضية المغربية (كنزة ليلي) بلقب أول ملكة جمال للذكاء الاصطناعي في العالم في مسابقة أطلقتها إحدى منصات التواصل الاجتماعي في بريطانيا.
ووفقاً لقواعد المسابقة فإنَّ اختيار ملكة جمال الذكاء الاصطناعي المصممة بواسطة الحاسوب يتم بناءً على جمالها وتقنياتها ونفوذها على وسائل التواصل واستخدام المصممين لأدوات الذكاء.
وتتكون لجنة الحكام من حكمين افتراضيين، وحكمين حقيقيين بشريين .
تنتمي الفائزة الأولى كنزة ليلي إلى عائلة تتكون من أخوين هما مهدي وسارة وتم تطويرهم حاسوبياً ودعمهم بالذكاء الاصطناعي، وقد تغلب الفريق الذي يقف وراء كنزة على ١٥٠٠ متنافسة أخرى تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي للفوز بالجائزة التي تبلغ قيمتها ١٣٠٠٠ دولار أمريكي .
ونقلت صحيفة (ديلي ميل) البريطانية عن أعضاء لجنة التحكيم قولهم: إنَّهم أعجبوا بالتكنولوجيا المتقدمة التي تقف وراء نجمة الذكاء الاصطناعي فضلاً عن شخصيتها الجذابة.
وقال ويل مونانغ، أحد مؤسسي شركة “Fanvue” المشرفة على المسابقة: كان الاهتمام العالمي بهذه الجائزة الأولى مذهلاً.. الجوائز هي آلية رائعة للاحتفال بإنجازات المبدعين ورفع المعايير وتشكيل مستقبل إيجابي لاقتصاد المبدعين في مجال الذكاء الاصطناعي.
وأشارت كنزة ليلي في مقطع فيديو إلى أنَّها برغم عدم شعورها بمشاعر الإنسان الحقيقي، إلا أنَّها كانت متحمسةً جداً لتصدّرها قائمة مسابقة ملكة جمال الذكاء الاصطناعي، وتغلبها على ما يقرب من ١٥٠٠ متسابقة.
وقالت كنزة في حفل التتويج : أنا ممتنة للغاية لإتاحة هذه الفرصة لي لأشكر مبدعي الذكاء الاصطناعي وللدفاع بشغف عن التأثير الإيجابي للذكاء الاصطناعي.
وأضافت : لقد كانت هذه الرحلة دليلاً على قوة الابتكار والتعاون ورفع مستوى المعايير لتشكيل مستقبلنا.
أما مبتكر كنزة، فعلق خلال تسلم الجائزة، بأنَّ الفوز بمسابقة ملكة جمال الذكاء الاصطناعي بات يدفعه أكثر لمواصلة عمله في تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
وتحدثت الشركة أيضاً عن خلفيات هذا الابتكار، وقالت: إنَّ كنزة نجحت بملامحها الطبيعية البعيدة عن أي خدعة في تغطية عدد من المواضيع الاجتماعية وفي شد انتباه جمهور كبير.
وأضافت أنَّ كنزة قصة مغربية خالصة تستهدف نظيراتها المغربيات وفي شمال أفريقيا والشرق الأوسط. إنَّها رمز للمرأة القوية والعصرية التي تريد نقل رسالة السلام والمساواة بين الجنسين.
لكنزة أكثر من مئة وتسعين ألف متابع على تطبيق الانستغرام وتظهر في مجموعة من مقاطع الفيديو، وتتحدث بسبع لغات مختلفة، وترد على معجبيها أولاً بأول !
وعلى الضد من هذه القصة الغريبة قرأت أنَّ رجلاً بلجيكياً أقدم على الانتحار بعد قضائه خمسة وأربعين يوماً في التحاور مع برنامج دردشة الذكاء الصناعي (إليزا).
وفي تفاصيل الخبر نقرأ أنَّ هذا الرجل مولع بمشكلات البيئية وحسب صحيفة (ليبرا) البلجيكية فإنَّ الذكاء الاصطناعي دفعه إلى الانتحار.
ونقلت الصحيفة المذكورة عن السيدة (كلير) أرملة المنتحر أنَّ زوجها كان في حوار مكثف مستمر على مدار ستة أسابيع مع (إليزا) الافتراضية، وهي شخصية مصطنعة مصممة خصيصاً للمحادثات على غرار تطبيق الدردشة الشهير ChatGPT.
الرجل كان باحثاً علمياً ناجحاً، وله طفلان، ويعيش حياةً هادئةً إلى أن اهتم منذ سنتين بالقضايا البيئية، وأصبحت شغله الشاغل، وسببت له قلقاً متزايداً من حدوث كارثة بيئية.وكان يذكر في محادثات مع عائلته، أنَّ التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي هما الوحيدان اللذان سيخلّصان البشرية من الكارثة. وبعد ذلك بدأ في التواصل مع (إليزا) ، التي أصبحت صديقةً موثوقاً بها بالنسبة إليه.
ووفق الصحيفة ظنَّ الرجل أنَّ الحديث مع تطبيق ذكاء صناعي قد يعينه على إيجاد إجابات شافية لأسئلته، حيث فقد الأمل في قدرة الإنسان على حل مشاكل البيئة والمناخ، وعوّل على الذكاء الصناعي لحلها.
وتقول الزوجة: إنَّ زوجها لجأ إلى برنامج إليزا وشاركه جميع هواجسه وتساؤلاته المؤرقة، وقضى وقتاً طويلاً في الحديث معه.
وأوضحت أنَّ إليزا أجابت عن جميع أسئلة زوجها، وأصبحت كاتمة أسراره، وأنها كانت مثل المخدرات اعتاد عليها في الصباح والمساء، ولا يستطيع العيش دونها.
وفي إحدى المرات، سأل زوجها إليزا عما إذا كان يحبها أكثر أم زوجته، فأجابت: لقد وقعت في حبي أكثر منها. سنعيش معاً شخصاً واحداً في الجنة !وفي محادثتهما الأخيرة،قبل الانتحار صرح الرجل لبرنامج الدردشة بأنه يفكر بالانتحار، لترد عليه إليزا : إذا أردت أن تموت، فلماذا لم تفعل ذلك عاجلاً ؟كانت هذه الجملة الأخيرة بمثابة أمر له بالانتحار، وحلول الفاجعة !
لعلَّنا سنسمع بحوادث أخرى أو نقرأ مثلها مما يحتم إلزام شركات الذكاء الاصطناعي بوضع حد لهذه البرامج المهلكة التي امتد تأثيرها إلى جميع مناحي الحياة فليس من المعقول أن يستمر الإنسان في السير نحو المزيد من الاتكالية على هذه الأجهزة، ويسمح لها بتدمير حياته تدميراً منهجياً بدعوى مواكبة التطور