مقال

الشهادات المسمومة أشد خطراً وأبلغ أثراً على التعليم والبحث من ChatGpt

بقلم: د. حمود العبدلي
يُحدٍث البعض في البلاد العربية ضجة حول تأثيرات ChatGpt السلبية على البحث العلمي والتعليم، كتلك التي تحدث في اوربا او كندا او اليابان او الصين او امريكا. ويضع تساؤلات هي بالفعل مشروعة، وسيجيب عنها المستقبل بعمق من خلال نمو خبرة الفرد او نمو الخبرة الإنسانية.

الذكاء الاصطناعي و ChatGpt
احدث بالفعل صدمة في كبرى الجامعات على مستوى العالم وهذه الصدمة نتيجة لعدم استعداد مجتمع التعليم لها أو توقعها ومنها تأثيره على
▪️البحث العلمي وفي الاتجاه السالب.
▪️تأثيره في عملية التقويم (التي يسميها البعض الاختبارات)، وايضاً في الاتجاه السالب. ولم يُلتفت للجانب الإيجابي الذي هو ربما خيرُ مقاماً وافضل صُنعا. وهذين الموضوعين هما الاكثر تناولاً تقريبا.

أولاً:بدأ مجتمع التعليم يمتص الصدمة ويلتقط الحلول، وستسعفه التكنولوجيا بعلاج عما قريب، والتكنولوجيا تعالج مشاكلها، هذا بالنسبة للبعد التكنولوجي.

ثانيا: البعد التربوي، وهذا هو الأهم بالنسبة لمجتمع التعليم.

في البحث العلمي: من المهم أن ندرك أن مهارات باحث العقد الماضي لا يجب أن تكون هي مهارات الباحث في هذا العقد، ولا يمكن لمهارات باحث المرحلة الصناعية أن تكون هي مهارات باحث مرحلة تقنية المعلومات، ولا يمكن لمهارات باحث تقنية المعلومات ان تكون هي مرحلة باحث تقنية المعلومات المتقدمة الذي اهم مظاهرها الذكاء الاصطناعي والواقع الغامر و تحليلات التعلم.

القلق من التكنولوجيا يشتد ويستمر في البيئات التي لا زالت تعد باحث للقرن الماضي بتلك المهارات التي تعتمد القص واللصق والتوليف بينهم، وموائمتها.

الـ ChatGpt يجمع نصوص هو نفسه مش متاكد من صحتها، لا فرق بينها وبين القص واللصق من جوجل مثلاً الا في اختصار الوقت او التنظيم، والترتيب، وقفت امام بعضها وقفة ناقدة، وسألته عما جلبه فعجز عن الاجابة.

أما البحث العلمي فهو حل مشكلة، من يفهم روح البحث وفلسفته يعرف ان ChatGpt لا يمكن أن يحل مشكلة، لان البحث يبدأ بالعاطفة (الشعور بالمشكلة) وهو ما يعجز عنه الذكاء الاصطناعي.

البحث يتطلب الملاحظة الذكية الذكاء الاصطناعي لايستطيع القيام بذلك، الذكاء الاصطناعي يجمع معلومات زوده بها الانسان؛ لا ينتج معلومات فضلاً عن ان ينتج معرفة او يتعامل مع عمليات المعرفة، جربوا اسألوه بسؤال له علاقة ما بعد ٢٠٢١ لن تجدوا إجابة.

جربوا ضعوا امامه مشكلة بسيطة واطلبوا حلها، كتلك التي يحلها شيوخ القبائل في البادية وانظروا رده، واطرحوها باللغة الإنجليزية لأنه أكثر احترافاً فيها من اللغات الأخرى، ومع هذا لن يجد حلاً مرضي لها، فكيف بمشكلة بحثية خاصة تلك الطارئة والحديثة والناشئة.

البحث يتطلب تفاعل إنساني، ويتطلب تفاعل مع المعرفة ومع عمليات المعرفة (الإنتاج والابتكار والتطوير والإدارة والاستخدام والتبادل والمشاركة) ولكل عملية تفرعاتها ومهاراتها، الذكاء الاصطناعي إمكانياته محدودة في هذا، ويحتاج لتوجيه الإنسان في كل واحده منها وفي كل مرحلة.………….الخ.

الـ ChatGpt يجمع معلومات ذات قيمة كبيرة ومبهرة. لكن..!! من يحدد صحتها ودقتها ومناسبتها للموضوع وقدرتها في حل المشكلة؟

القلق الذي يبدو هنا هو ما اسميتها في منشورات سابقة لي و قبل ظهور الـ ChatGpt بميكنة البحث وهي ظاهرة منتشرة تتعمق كل يوم في اوساط مجتمعات الباحثين في البلاد العربية، بالفعل ستساعد هذه التقنية في زيادة هذه الميكنة، وخاصة في:
▪️البيئات البحثية الضعيفة التي لا تمتلك خبرات كافية، و مفهوم البحث لديهم مجرد خطوات شكلية يمر بها الباحث والسلام، ولا يمتلكون قيم او اخلاقيات البحث وهي اكثر انتشاراً بين المسلمين، الذي يقول كتابهم المنزل من السميع العليم {إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّوا۟ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىٰۤ أَهۡلِهَا } [سورة النِّسَاءِ: ٥٨].

▪️البيئات المتخلفة التي يكثر فيها المتسلقون وادعياء الفكر والبحث والعلم، ينقلون بعضهم من درجة لأخرى، ويصبح حملة الشهادات المسمومة هم من يقررون مصير البحث ويهبطون بمستواه ومهاراته ويسطحون مفاهيمه وفلسفته واجراءاته، وهذا هو الاخطر، وهذا البلاء العظيم الذي يمارس في بعض البلاد.

أما الذكاء الاصطناعي فهو مثل أي تقنية حديثة تظهر؛ يشعر الناس حيالها بالقلق في البداية وفي كل مجالات الحياة وليس في التعليم فقط ثم ما يلبث ان يطور الانسان فكره ومهاراته وتصبح اداة مساعدة تحسن حياته وتجود منتجه، وراجعوا التقنيات اللي ظهرت حلت محل الانسان في تلك المهارة بداية الامر، ثم لم يلبث الانسان ان تعلم المهارات الجديدة لادارة تلك التكنولوجيا، وفتحت امامه ابواب رزق اكثر من تلك التي اغلقتها وهكذا عبر التاريخ.

ففي البحث نحتاج الى تصحيح النظر الى مفهوم البحث، ومناهج البحث، وبالتالي مهارات البحث، وهي مجالات يعجز بحق فيها الـ ChatGpt بل والذكاء الاصطناعي بكله؛ حينما ندرك ماذا يعني بحث ونفهم ماذا تعني مهارات البحث العلمي.

ما نُعلِمه في مناهج البحث وما نُنتجه من ابحاث يفتقد لكثير منها في بعض الجامعات ومراكز البحوث خاصة التي تعيش في عزلة عن محيطها الإنساني.

هناك الكثير مما يمكن ان يقال عن البحث ومناهج البحث ومهارات البحث الذي دمرها المتسلقون وحملة الشهادات المسمومة الذين هم اشد خطرا وابلغ اثرا على البحث من الذكاء الاصطناعي، الذي لو أحسن الإنسان استغلاله فسينتج أبحاث أكثر قيمة وأعظم أثرا في نمو المعرفة والنظرية والمجتمعات الإنسانية.

مخابز أبحاث الترقية، ورسائل الماجستير والدكتوراة منتشرة وبالعشرات، والخبز بين أيدينا في مواقع الويب، قبل الـChatGpt والباحث الذي نؤهله باحث للقرن الماضي بمهارات ومعارف متهالكة أكل الدهر عليها وشرب.

وإذا أراد أستاذ أن يعلم الطالب شيئا اعمق في مناهج البحث أو غيرها من المعرفة تقوم الدنيا وتأتي الاتصالات من كل حدب وصوب، الهدف ليس البحث ولا مهارات البحث ولا إعداد باحث الهدف شهادة يحصل عليها شخص والسلام.. هناك العديد من الممارسات، أشد خطرا، على البحث من تقنية ناشئة ستساعد الإنسان في تجويد منتجة.

القضية ليست قضية تكنولوجيا القضية قضية قيم تنتشر في مجتمع التعليم ومجتمع البحث وغيرها من المجتمعات دمرت البحث العلمي والتعليم، وبالتالي المجتمعات وجرتها من أنفها نحو الحضيض نحتاج لتصحيحها قبل رفع اصواتنا عن الـ ChatGpt الذي جاء لخدمتنا وتجويد منتجنا.

قلقون أن الباحث سيستخدم الذكاء الاصطناعي..!! عن نفسي أقترح أن يدخل الذكاء الاصطناعي في البرنامج التدريسي للباحثين ضمن مقرر مهارات البحث الرقمية وندربهم كيف يستخدموه، ونكشف لهم حيل الذكاء الاصطناعي في جمع المعلومات حتى يحصلوا منه على افضل معلومة، ونضع اساليب تقويم صارمة تجعلنا نثق ان الباحث اتقن تلك المهارات، ولا يمنح شهادة الا بتجاوزها.

هذا سيساهم في اكتشاف افضل للمشكلات وسيساعد في البناء الهرمي للعلم بسرعة افضل، ويعطي الباحث والابحاث قوة، ويعزز الثقة بها ويقلل نسبة خطأ ألفا.

ونبتعد عن التحايل البشري المدمر الخالي من القيم والاخلاق الذي هو اشد نكرا وأسوء حالا.

خلاصة القول في هذا المحور نحتاج نطور مهارات البحث ولا قلق من التكنولوجيا، ونحتاج بجانبهم قليل من قيم و اخلاقيات بحث، والدنيا بخير.

بالنسبة للتقويم (الاختبارات)
في هذا الموضوع القلق في البلاد الذي تستخدم التكنولوجيا في الاختبارات، وهم يبحثون عن حلول سيصلون اليها قريباً. أما في بعض البلاد العربية فهم آمنون من هذه المشكلة من اتجاهين.

١- الغش منتشر في المدارس والجامعات منذ عقود وبشكل فض و وقح وبالتالي ولن هناك اي تأثير يضاف لـChatGpt

٢- اختباراتهم قلم و ورقة الـChatGpt يحل امتحان ربما..!! لكن التقويم ليس حل اختبار.

يعلم مجتمع التعليم ان التقويم لحد الآن لا زال يمارس بطريقة غير صحيحة تركز على بعد واحد في ادنى المستويات مقارنة بمكونات التقويم في الادب التربوي التقليدي، و راجعوا كتب التقويم والمناهج.. بالعكس الذكاء الاصطناعي سيساعد جدا في تقويم التعلم والتعليم بصورة اكثر علمية، وسيحسن جودة الاداء وجودة التعليم، وسيخفف او سيقضي على التهريج الممارس والخرافة المنتشرة حالياً و المسماة جودة تعليم..يعتمد ذلك على قدرتنا على استغلال تقنية الذكاء الاصطناعي وربطه بتحليلات التعلم والبلوكتشين.

الخلاصة:
العصر عصر مهارات وابتكارات، ومن سيحصل على شهادات مسمومة بالتزوير او الترفيع الخاطىء المقصود او غير المقصود او التأهيل الضعيف الخالي من المعايير المعاصرة او القيم والاخلاق لا يستطيع ان يعيش بها الا في المجتمعات والثقافات المتخلفة ولفترة محدودة ثم سيأتي صاحب شهادة مسمومة اخرى ليزيحه ويسقيه من نفس الكأس، ويذهب هو ويبقى تخلفه تتوارثه الاجيال، وسيجد نفسه عاطل عن العمل وسيظل يُحدث الآخرين عن عبقريته، وهو يتحدث عن فشله.

والشهادة المسمومة ربما تفيد في مرحلة زمنية لكنها لن تفيد كل الوقت وستزيد صاحبها اثماً عند الله ولعنة الملائكة و الناس اجمعين، و تزيد المجتمع تخلف وانهيار ستظل سيئة جارية على صاحبها، ولن تأمنه من خوف او تطعمه من جوع.

وانظروا فيما حولكم من شواهد منتشرة بعين بصيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى