مقال

من للحزانى يا حكيم؟

زيد الطهراوي | الأردن

بعض الناس يقولون للطبيب يا حكيم، ولهذه الكلمة جذور متينة فإن القدامى أيضاً كانوا يقولون للمتزن في افكاره و أفعاله يا حكيم ويقولون للطبيب المعالج يا حكيم، و قد لا يكون الحكيم طبيبا أما الطبيب فلا بد أن يكون حكيما؛ و لذلك قررت أن أقول لك يا حكيم و أنت الطبيب المعالج.
لعلك يا أخي تذكر عندما أخبرتني عن شاب حركته ضعيفة وقد كنت أنت حديث التخرج وبحماس أخرجت اوراقك لتحوله إلى طبيب الدماغ اما هو فكان يعرف أن علاجه هو في نصيحة قد لا تتجاوز كلمتين وكان يشعر أنه يعرفها و لكنه أضاعها في بحر النسيان
قال لك: لا تحولني فلست أشكو من مرض في الدماغ و لكن الذي حصل معي هو أنني حزنت فلم أستطع التحرك إلا ببطء شديد و كلما أردت الإسراع أو العودة إلى طبيعتي في المشي فشلت.. قلت له و قد عدت إلى معلوماتك الرصينة : إذا كان الأمر كذلك فما عليك إلا أن تخرج من همك الذي سبب لك هذا فغيِّر المكان و غيِّر الأفكار و غيِّر الأشخاص
فتلقف الشاب منك النصيحة و كأنه عثر على كنز و قال: نعم نعم فهذا هو الذي كنت أريد سماعه وكأنني اعرفه و لكن ذاكرتي تجمدت فلم تبح لي به و غيَّر الشاب المكان و الفكرة و الأشخاص فرجع يمشي كما كان
كانت هذه القصة مثيرة لك كطبيب و غريبة عليَّ حد الاندهاش، وأنا أسمعها منك، والآن تذكرتك يا حكيم و أنا أشاهد الأحزان ترهق كاهل الإنسان وإذا كان هذا الشاب قد غيَّر مكانه وأفكاره ورفاق السلبية و النكد فكيف سيغير هؤلاء المصدومون أمكنتهم وأفكارهم و الرفاق.
وهل سيجيء طبيب حديث التخرج أو قديمه ليخبرهم بالنصيحة الثمينة التي تنقلهم من ضيق إلى سعة ليتحرروا من بطء في المشي أو ضعف في التركيز أو رغبة في النوم العميق إلى نهاية الدنيا؟
لست أنكر أهمية الصبر و الافتقار إلى الله تعالى و لكنني أعرف حقيقة النفس البشرية وتفاعلها مع الأحداث واعرف أن أقوى الناس في التحمل قد يمرون بوقت يستغرب فيه رفاقهم من ضعفهم وقلة حيلتهم
و الخبرة في التعامل مع المنكوبين ضرورية، و الهجرة إلى ساحات التلطف والتغاضي ضرورية، والتمادي في حسن المعاملة معهم أيضاً ضروري.
والأمر ليس سهلاً بل هو بحاجة إلى تدريب و قهر للنفس لتسمو السلوكيات و تتطهر من حسد أو غل أو حقد أو رغبة في التشفي و الشماتة فيمسك الرفيق بيد الحزين ليوصله إلى درب السعادة و الأمان، وإذا كان هذا الرفيق معافى الآن فهو يستطيع مساعدة الآخرين وربما تمر به ضائقة ويسلك درب الحزانى فيسعد بقطرات اهتمام من رفيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى