مقال

امرأَة استثنائية

بقلم: د. محمود رمضان

صَادَفْتُ في الحياة اِمْرَأَة إستثنائية لها تعاليمها، وطقوسها، وجنتها، ونارها، وعشقها المحال، تختلف عن كل نساء الأرض جُل الإختلاف، تمتلك مدارك العشق ولها فيه مدرسة، وفي الحب ترسم ذلك المنهج الفلسفي والأسس والقواعد العصماء.
كيف الإختلاف ؟!
إذا عشقت اِمْرَأَة يوماً ما، فأنك تناجي فيها مفاتن جمالها ورقتها ولمعة العيون والورد الذي يلون الخدود، بل إن شئت قل كل الصفات، وهذا ما يروق لكل النساء أو نزعم نحن الرجال أن هذا يُرضهن ويروض العواطف ويلامس لباب القلوب المحبة وهكذا نعتقد أنه الصواب !
لكن أنثايَ هذه مختلفة جداً..!
كيف هذا ؟
ما هي الأسباب؟!
في أول مراتب العشق وطرق الأبواب، إن فُزت يوماً ما بالجلوس معها تحتسي القهوة، وهي ترتل إليك الحديث بأناقة ودقة وجلاء، وهممت بالدخول إلى عالمها المحصن بالذكاء والدلال والاِستغناء العاطفي البشري، فأعلم أيها المسكين بعظمة اللقاء.

وإن التاريخ الآن يسجل بحروف زاهية مدادها الضياء، وخيوط الشمس تعانق خصرها بأنامل من نور ِونار ِولهيبِ قلما تمنحه نساء الكون لمن يعشقهن، سواء كان أتى طوعاً أو غادر عالمهن سنوات ثم عاد نادماً وجاء..!
سرتُ في دروب اللقاء وسط الأمواج العاتية من الألفاظ الجذابة والأنماط الراقية والمفردات الحسنة والبلاغة الروحانية والأنغام التي تعزفها قيثارتها السماوية على مقام حجاز والفؤاد يترجم النغمات والإشارات والإفادات والبدايات والنهايات والصعود والصعاب والاشتياق واللوعة والعذاب والجوى والوجد والهناء بقرب من تحب ..إنه اللقاء الأول الذي رُتبّ من السماء.
تستهل معزوفتها الحياتية ليس كمعظم النساء، فهي تبدأ من الآن وما تعيشه، ولا ترجع للوراء، تفهمك جهادها المقدر الهائل في المنح والعطاء، فلن تبرح مكانك حتى تحترم مسيرتها بل وسيرها منتشية القامة وسط كل أعاصير الحياة.

ستة وأربعون حبة من حبات اللؤلؤ تزين هامتها؛ كأنهن تاج الشرف والحُسن رَصّعه الزمان من الياقوت والمرجان، لا دخل للإنسان في تفاصيلها العصامية، فلا ماضٍ عطل السير ولا حاضرٍ تجرأ أن يوقفها بالعراقيل أو حتى أضاء الإشارات، أما المستقبل فهي تصنعه باحتراف وتوكل لأنها في معية الرحمن مانح اليقين لقلبها وتطمئن بالفوز بالرحمة والغفران.
فكرت وتدبرت كثيراً..
كيف يكون الكلام في حضرتها؟
وأنا الذي تعامل مع الخرائط السامية من شتى صنوف بنات حواء وله الكثير من الخبرات في بقاع الدنيا وفي البلاد التي بها الأنهار والبحيرات والمحيطات الفضائية والفضاءات والمجرات والحضارات وأصحاب المعابد والأجراس والمنارات.

رحلة في رحابها فأغتنم الوقت جيداً، ايقنت أننا في مكوك فضائي له توقيت إنطلاق..!
أفهمت يا عاشق صعوبة اللقاء؟
نعم..
فهمت..
ها أنا أبحث سبل الوصول إليها وسط الكواكب والنجوم في السماء؛ وكي تصعد لمرتبة من مراتب عشقها بعيدة المنال، فأنك تقف على أول درجة من درجات عتبات خلوتها، فقد تجدها ساجدة تتضرع لرب الكون جَلَّ وَعَلاَ أو كأنها هالة ضوء تحوم على سجادة الصلاة.
وإذا اردت أن تزيد في الوصل، فمن المهم لك أن تصلي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وتكثر في الصلاة، أو أنك تحلم برؤيته وضياء وجهه الكريم أو رأيته بالفعل في المنام وأن تكون حظيت بالشرف والشفاعة ورضا الرحمن.
ولكي تعلو أكثر في مراتب العشق والوصول، وتقر أن البشرى قد لاحت وفتحت لك طاقة من طاقات الغفران، فأبحر في تلك الهالات الروحانية فالكل ذابوا في الضياء.
كيف أوصفها..!
قمرٌ في مدار البحر النوراني اللانهائي في المقامات العليا والجلال والضياء، وكم يتوق فؤادك مثل الملائكة للمعراج والقرب والتضرع بالرجاء.
هنا ..
ومن هنا فقط؛ يتاح لك أن ترى لمعة عينيها الجميلتين، وصفاء روحها والنقاء الذي ينثر الندى على وجهاً يتوضأ بالبهاء.
راقبت حديثها الوفي المعطاء، وكيف عبرت ثلاثة مرات عن ذلك الحب المكنون بداخلها بعزة وجلاء، قالت حبيبي ولم تكترث.. !
إن كنت لمحت أو فهمت أو لمست اللفظ والمفردات والزهو الذي يعتري المحب حين يقول لمن يقّربه لقلبه، أنا أحبك يا حبيب الرحمن والبلسم المداوي للجراح وعتمة الليالي، وكل ما ذهب من العمر وفرحة ما هو آتٍ.، كانت مثل الفراشات تحوم حول موقدي ولا تدري أنني رددت ذات المعاني والكلمات ولا أدري ..!

صارت كلماتي تلهثُ كالخيولِ على وثب كلمات حبها.
ترا هل انتبهت أم كانت لا تريد إلا أن تعترف كيف أنها تعشق الروح ورب السماء؟
انتبه..
يا أيها العاشق..
إن النوريات أن عشقن يوماً، فأبشر بالحب الملائكي والمشقة والدلال والهناء والغرام الذي لا مثيل له إلا في المقام العالي وعند الخلوة المباركة، فليكن قلبك طاهراً وروحك ترفرف في معراج بهائها الصافي؛ كُن جسوراً مقداماً تحمل من الصبر قنطاراً، ومن المثابرة خذ قبساً، فلقد منحك الرحمن لقباً ملائكياً يُصف به بعض من كان فيه صفة الصبر من الأنبياء.، وأيوب خير من وُصف به من المولى اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ.
وَمضت نجمة كانت على مقربة منا بإشارة عابرة، لم نقل شيئًا كِلانا التفت وحمل الآخر بداخِله، وكأن القدر أرشد كُلاٍ منا للأخر .. ليحمله في داخله ويمضي..قال أحد العاشقين : أنثايَ أنتِ خُلقتِ لي ياقوتةً مُتَلألئهْ، وأنتِ النور الذي يستضيء به فؤادي وتهيم فيه الروح السابحة نحو ينابيع الحياة والعشق اللامنتهي.

صارت كل اللحظات لقاء، لم تتوقف هي عن الكتابة ولم أترك القلم ويرتاح المداد منذ ذلك اللقاء، فكل يوم اسجل قصيدة لها وأوصفها وإن اقتربتُ من محرابها برهة من الزمن ما ينفك دبيب الوتر الأبيض أن يعلو أو يصدح ديك الصباح بالصياح.

مازال اللقاء..
لن تنتهي الرحلة ..
مازلنا عالقين بين مراتب السالكين في لجين الروح ومن يذوب في اخضرار البهاء أو من يعلن للآخر أن هذا مقامك هنا ويفسح له الوتين الواصل بين العاشقين في هذه الحياة.
سألتني ماذا كتبت عني؟
فَأَجَــبْــتُــهَــا:
أنتِ إمرأة استثنائية..
إن امرأة استثنائية مثلك تحتاج إلى أحاسيس استثنائيهْ، وتحتاج إلى كُتُبٍ تُكتبُ لها وحدها..كما قال نزار.
هذا هو الإختلاف..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى