عاد دون بيت و عائلة
بقلم: عبدالله زيادة ابوخالد
طفل يبحث عن طفولته تحت ركام شقاء أبيه .. لمجرد ذهابه للبقالة المجاورة لشراء الخبز ..عاد دون بيت ..دون عائلة .. كأنه وقتها لا يملك في كل هذه الدنيا سوى ربطة الخبز .. تسلق الأنقاض يبحث عن بقايا روح ممزقة .. تنازل عن كل الطموحات والوعود والأحلام مقابل فقط أن يعود لأسرته .. أصبحت مجرد العودة حلم ومصير بعدما كانت أمرا ً طبيعيا ً جدا .. فجأة سمع شهقات قوية وصراخ متعب ..أخذ يبكي ويبتسم بين بحر الدموع المنهمر .. أخذ ينتشل كل شيء يصادفه ..هدفه الوصول لمصدر الصوت.. الدماء تغطي يداه التي غامرت في البحث حتى تمزقت دون شعور .. المهم أن يجد أحدهم .. وإذا بأبيه مغطى بالتراب محاط بالصخور ..فقط يده تلوح وفمه يصرخ وعيناه لا تبصران سوى لحظة النجاة ولو لثانية المهم أن ينجو ولو للحظات .. بعد جهود قوية من المارة .. خرج الأب .. دون أقدام .. يتعكز على وفاء ابنه البار .. لا بأس المهم أنه حي .. هكذا شعور الإبن .. سأله عن باقي الأسرة .. فقال الأب بصوت شجين ..الصوت الذي سمعته في البداية .. كان صوت أخيك الذي يبكي أمك .. وهو يدفعني للأعلى قائلا ً :
المهم أن تعيش يا أبي .. لا تقلق علينا .. ففي لحظة رحيل الوطن كنت أنت الوطن .. فكيف لو مات الوطن ..بالله عليك يا أبي ..عليك أن تعيش بعد إرادة الله من أجلنا .. فالبيوت لا تنهار بسقوطها طالما كان الأب شامخا ً .. نعم خرج الأب تاركا ً وجع السنين .. الغريب أنه من شدة الألم كان يمشي مع أنه مقعد .. هل تتخيل مدى قوته .. بل ربما مدى قسوة اللحظة التي جعلته أسير الذكريات دون أن يلتفت لحاله ولو لثانية .. وذلك الشاب الذي ظل حيا ً ..كانت هذه مصيبته الأولى والأخيرة ..أنه ظل حيا ً ..دون عائلة ..بعدما كان لديه من الطموح والآمال ما يعبر عن جيل بأكمله ..