مقال

وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ

خالد رمضان |صلالة – كاتب مصري
      قال تعالى “وَلَا تَيْئَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ
     إن للأمور مغباتٍ فكن منها على حذر، فالورد الذي يزهو بمنظره تشوبه في الساق أشواكُ، والنهر الذي يجري بمورده تغوص به في القاع أعماقُ. وقد يقول قائل: كلما سرتُ في طريق لأطرق أبواب الرزق وجدت تلك الأبواب موصدةً، وإذا قصدتُ دار خير وجدتُ نوافذها مغلقة، وكأن الدهر قد عاندني برأسه فلا يستقر لي على حال، ولا يُريح لي بال.
ويقول الٱخر: أنا أعرف حظي، حيث يسكن الشقاء نفسي، وتغشى الظلمة عيني، فلا أبصر إلا ظلاما، ولا أرى إلا أحلاما وأشباحا وأوهاما، وكأني بقول القائل:
إن حظي كدقيق فوق شوك بعثروه
ثم قالوا لحفاة يوم ريحٍ اجمعوه
قالوا: من أشقاه الله كيف أنتم تسعدوه؟!
    إن هذا الصنفَ من الناس ولا شك غابت عنهم الحقيقة، وأُسدِلت على أعينهم ستائر اليأس والقنوط والنكران، فاستقر في ٱذانهم الوقر، وأوكلوا الأسباب للدهر، وقاسوا الأمور بعلوم الرياضيات (١ + ١ = ٢)، بمعنى أن المقدمات تؤدي إلى النتائج، أو يقيسونها بمقاييس علم النفس السيكولوجي ونظرياته في حل المشكلات بداية من تتبع أسباب المشكلة وحتى الوصول إلى النتائج. وهذه مقاييس بشرية، وأسباب لا غنى عنها في حياتنا العملية، واليومية، ولكن قد نسي أو تناسى هؤلاء أن لهذا الكون خالقا ومهيمنا ومدبرا ورازقا لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء، حيث يقول تعالى:” إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ
   فقط عليك السعي، وليس عليك إدراك النجاح، ثم ما يدريك أن ما تريده نفسك، أو تهواه عينك، أو يتعلق به نياط قلبك هو النجاح والفلاح ؟! إن هذا النجاح هو ما رسمه لك عقلك القاصر العاجز عن الإدراك، فلا يدرك إلا محسوسا أو ملموسا، فقد يكون ما تراه خيرًا لك هو الشر بعينه . يقول المثل العربي: رب نفسٍ عشقت مصرعها.
إن الأمور بيد الله فإذا أوصدت بوجهك الأبواب، أو وأخذت بالأسباب، واستعصت عليك المنى ، ولعبت بك الدنا فالجأ إلى مسبب الأسباب العظيم الوهاب، يلين لك الحديد، ويقرب لك البعيد.
ولنا في القصص القرٱني عبرٌ وعظات، فحينما ألقي الخليل في النار وجاءه جبريل ليسأله عما يريد، فكانت الإجابة: أما لك فلا، علمه بحالي يغني عن سؤالي، فأزال الله أسباب الإحراق وكانت النار بردا وسلاما على إبراهيم. ويوسف حينما سُجنَ ظلما وزورا فما كان منه إلا أن قال: “إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ“. فلا تجعل نفسك دميةّ في يد الشيطان يحركها كيف يشاء فيوغر صدرك، ويميت قلبك حتى تكون من الساخطين القانتين. يقول تعالى “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ“، وقد ألان الله الحديد لداود، وسخر الريح لسليمان، وشق البحر لموسى، وحمل نوحًا وسط الطوفان، ونجا لوطًا وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين، وفجّر الماء من تحت أقدام إسماعيل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. فلا تعجل وتأنّ حتى يأتيك الخير من حيث لا تدري ولا تحتسب .
قد يدرك المتأني بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزللُ
وكم فات قومًا جلُّ أمرهم
من التأني وكان الحزم لو عجلوا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى