أبلغ من ألف واعظ وخطيب!

د. أحمد الطباخ
صدق الله عندما قال في (سورة الصف) من كتابه الكريم :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ (4)}
فمهما وصف الواصفون وخطب الخاطبون وتباروا وصالوا في ميادين الخطابة والدعوة فلن يبلغوا معشار ما بلغ هذا الفتى وذلكم الرجل الذي صدق فيه قول الله :{مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (سورة الأحزاب، الآية:23) فالصدق مع الله في العهد والميثاق هو المحك الذي لا يخطيء ولا يمكن أن تخطئه عين عندما يحمي وطيس المعركة، وينادي منادي الجهاد حي على الجهاد، فيخرج الرجال غير متذرعين بأية ذريعة من ذرائع الخوالف، وحجج المعوقين الذين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، وقد أتاهم الله بسطة في الجسم وصحة في البدن وعافية ، وسعة في المال ويتحججون ويتبجحون بأنهم لا طاقة لهم بالعدو، ولا قبل لهم بقوته وعدته وعتاده، ومن يسانده ويدعمه بالمال والسلاح وأحدث المعدات، ولكن الله ربط على قلوب عباده الذين اختارهم واصطفاهم ليكونوا جند الله في معركة لا لبس فيها ولا زيغ ، إذ هي معركة المعارك، بل أم المعارك بين حق بين واضح، وباطل انتفش وانتقض وظن أن له الأرض يعيث فيها فسادا، فيدنس المقدسات وينتهك الحرمات، ويهدم البيوت ويذبح الأطفال، ويقتلع الحجر والشجر من الأرض في فجر وعهر ووقاحة لم تشهد الأرض مثلها على وجه الأرض في جولة من جولات النزال.
يخرج البطل الذي بترت قدماه وظهرت النحافة على بدنه، وحافي القدمين ، ومعه سلاح متواضع يصوبه من بناية خربة خربتها قوى الطغيان متوكلا على الله، ولسان حاله يقول كما أمره الله:{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}(سورة الأنفال، الآية:60)، فيخرج هذا البطل الهمام وهذا الرجل المقدام زحفا على الأرض جاثيا على ركبيته في شجاعة الأسود وقوة النسور، وشجاعة المغاوير من جيل الشجعان ممن تصدوا بصدورهم العارية لطائرات الأعداء فما رميت إذ رميت، ولكن الله رمى وما تزال الأمة عن بكرة أبيها بعلمائها يخرجون على الشاشات، ويتسابقون في الكلام ويظنون أنهم يؤدون ما أمرهم الله به، وقد غاب عنهم أن المقام اليوم ليس الوعظ والكلام ، ولكنه الفعل والنزال، والجهر بالحق في وجه من ارتضى بالذل والهوان أمام هذه الغطرسة والاستكبار العالمي الذي ظهر بوجهه القبيح في ذلكم الدعم غير المحدود لهذا الكيان الذي ما يزال يواصل حرب إبادته لهؤلاء المدنيين من الأطفال والنساء الذين ما يزالون صامدين لا يهمهم من خذلهم، ولا من تخلى عنهم في هذا الوقت العصيب، وتلك المعركة الفاصلة بين الحق والباطل في وقت الفعل والتفاني بالنفس والمال والكلمة الصادقة.
يا أيها الرجل الذي خرج بهذا الحال لقد جعلتنا كلنا في موقف عجيب، فماذا نحن قائلون يوم الحساب لرب العالمين؟!، وكيف نعتذر لربنا أنك خرجت بتلك الهيئة، ونحن ننعم بما حبانا الله من صحة وعافية فلا يستوي القاعدون وهم أصحاء وهذا البطل؟!، فاعذرنا يا ربنا فإنا نشكو إليك تقصيرنا وعجزنا وقلة حيلتنا، وهواننا على أنفسنا مما ألم بنا، فماذا تساوي هذه الدنيا بقضها وقضيضها وذهبها ونعيمها بعد انتهائها والرحيل عنها؟!، فما هي إلا لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد، ثم ينقضي كل ذلك ويذهب، ويبقى عملك وما قدمت يداك فتقول: يا ليتني قدمت لحياتي!، فهنيئا لك أيها البطل بما أعده لك من نعيم مقيم وخير عظيم وثواب جزيل، وما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فأنتم الأحياء أيها الرجال!، ونحن الأموات في عالم النفاق البواح غفر الله لنا، وعاملنا بالإحسان وبالفضل حتى لا نهلك، فيا أيها القاعدون لا تعتذروا اليوم!، وإنما ادعموهم ولو بدعوة في جوف الليل، وما تملكون وليغفر الله لنا تقصيرنا في حقهم فالأمر جد خطير والموقف عصيب.