مقال

شارعٌ مبتلٌّ بالكتب

التصحر المناخي لم يؤدِ إلى تصحر ثقافي

عليّ جبّار عطيّة
أقطع شارع الرشيد مسرعاً لصلة رحم بشارع المتنبي !
كلما قطعني سيف الزمن وصلته بالكتب !
فيا لها من معادلة.

Iraqi men look at books displayed by a street vendor on al-Mutanabbi street in central Baghdad on August 12, 2016. / AFP / AHMAD AL-RUBAYE (Photo credit should read AHMAD AL-RUBAYE/AFP via Getty Images)

قبل أيام ومع مطلع العام الجديد أجبر نثيث المطر أصحاب عربات بيع الكتب في شارع المتنبي على تغطيتها بالخيطل (النايلون) ، وحين اشتد المطر هرب جميع باعة الرصيف، وأولهم أهل الكتب خوفاً من تلف بضاعتهم !
كتب حديثة، وكتب قديمة ومجلات معمرة يعرضها الباعة في عربات أو بسطات على الأرض وبأسعار متفاوتة؛ فأعجب لأنَّ الكتب تظل لها هيبة حتى وهي تعرض على الأرصفة !
ينطق الشارع بهويته سوقاً ثقافياً منذ تأسيسه في أواخر العصر العباسي الثالث في عهد الخليفة المستعصم بالله(١٢١٣م ـ ١٢٥٨م) ليتجمل باسم (المتنبي) في الدولة العراقية الحديثة سنة ١٩٣٢م ليختصر بكيلو متر واحد حضارة بلد عريق ممتد عبر التاريخ .
لكنَّ مد التصحر المناخي لم يؤدِ إلى تصحر ثقافي فقد ظل سوق الكتب عامراً بالباعة والمتبضعين، وطلاب المعرفة الذين لم يقتصر حضورهم على يوم الجمعة، بل امتد طوال أيام الأسبوع شجعتهم في ذلك إعادة إعماره الأخيرة، وفتحه ليلاً بعد أن مقتصراً على ساعات من النهار.
هل يحق لنا أن نجد علاقة ما بين المناخ الجوي والمناخ الثقافي، ونرتب على ذلك نتائج باهرة ؟
فليكن فلا ضير في هذا ما دام واقعاً في دائرة الإمكان خاصة وقد وصلنا غيث السماء بعد ثلاثة مواسم جافة، وأنعشت موجة الأمطار الغزيرة التي شهدتها مدن العراق الآمال بموسم زراعي وفير للناس والأنعام والحرث ، فضلاً عن زيادة الرصيد المائي في الأنهار ،وبحيرتي الحبانية والرزازة، وتدفق المياه إلى مناطق الأهوار التي تحولت مساحات واسعة منها إلى صحراء، وهجرتها الطيور، ونفقت الجواميس حتى صار المنتوج المحلي العراقي الشهير (قيمر العرب) في خطر !
هل نفرح لأنَّ معدل سقوط الأمطار بواسطة جهاز الممطار يتراوح بين عشرين إلى سبعين ملمتراً وحسب مناطق العراق .
يقلقني منظر الكتب المبتلة في شارع مبتل بالكتب والمارة، وينقلني إلى عالم الرؤيا.
أهرع إلى تفسير الأحلام فأقرأ أنَّ رؤية كتاب مبلل بالماء هي بشرى خير واحتفال وإذا كان في الحلم امرأة تمسك كتاباً مبللاً فهو خبر سار يسمعه الرائي قريباً !
هل عرفتم لماذا أحرص على النوم مبكراً لعلي أحظى بحلمٍ مبتلّ بالندى؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى