د. محمد الواضح| أكاديمي من العراق
هياكل بلا أرواح، قناديل بلا زيت القراءة ومشعل التأثير وصناعة الوعي، المكتبات تعاني هجرة الرواد والزائرين فهل ثمة من يسرج القناديل؟ السؤال في بوتقة المؤتمر: الوقوف عند السؤال وحدود المشكلة وتطويقها فقط وقوف عاجز استهلاكي مالم يُصهر في بوتقة المشغل البحثي؛ لإعادة إنتاجه فعلا تغييربا ناجزا أو في الأقل تحريك سكونيته وإذابة جليده وتلك هي أول الحزم. في سؤال الأهمية والتاريخ والخراب: يعود زمن تأسيس عدد منها إلى ثلاثينيات القرن المنصرم. حيث عهد الملكية ومابعدها.
ولاتزال المكتبات العامة واحدة من المظاهر المشرقة في عموم مدن العراق وعلى امتداد جهاته الأربع، وعلى سبيل التمثيل لا الحصر، فإنَّ في بغداد وحدها عشرين مكتبةً عامة، موزعة على مدن العاصمة؛ إذ تنبيك خارطة التوزيع والتخطيط العمراني عن اهتمام واضح بالبعد الثقافي وإحياء القراءة؛ بوصفها فعلا حضاريًّا ومشروعًا بنيويا دائميا للأجيال، تستقبل المكتبات مختلف الفئات العمرية من الطفولة حتى الكهولة، غير أن هذا المشروع الثقافي واسع النطاق في جميع محافظات العراق، يُراد له في توجهات السماسرة والنفعيين أن يكون مغرى جاذبا لمساحة يمكن استثمارها مشروعا تجاريا استهلاكيا ربحيا، لبناء المولات والمنشآت الأهلية من خلال غسيل أموال الفساد لا الضمائر، وتلك هي فكرة المقايضة الضيقة، واستراتيجية الإزاحة وحرب الأولويات، وفكرة مقايضة الوعي باللاوعي المتصارعة بما فرصتها علينا مجاهيل السياسة وسماسرتها، ولَك أن تلتمس وجه هذا الخراب على قسمات مباني المكتبات وشقوقها المندثرة، لاسيما في المحافظات حيث تعالت أصوات القائمين لنقد هذا الواقع وإصلاحه قبل المطالبة بأي جهد لإنعاش واقع المكتبات. وهذا ما اكدته لنا امانة ذي قار وتكريت كنموذجين لما طرح من مشكلات. فهل ثمة من يسرج القناديل؟ تلوح بادرة ثقافية تكاد تكون غير مسبوقة، تلك التي تبنتها وزارة الثقافة وبالتحديد _دار الشؤون الثقافية، عبر مقترح رفعه الأخ والصديق د.عارف الساعدي مديرها العام والمستشار الثقافي لرئيس الوزراء؛ إذ نتج عن المقترح الذي قدمه لرئيس الوزراء محمد السوداني رعاية لانبثاق مؤتمر يُعدّ الأول في تاريخ المكتبات؛ اجتمع تحت ظلال هذا المؤتمر عدد من أمناء المكتبات العامة في بغداد والمحافظات وحضور ثقافي وأكاديمي متنوع، وكان لنا شرف إدارة هذا المؤتمر، وتقديم مقترح شعار المكتبات والمؤتمر: (#المكتبات_مواطن_العقول)
استمعنا لكلمات القائمين على المؤتمر والداعمين له، استمعنا لطروحات أمناء المكتبات، دوّنا مشكلاتهم، ومقترحات الحلول، ناقش المؤتمر قانون المكتبات، وامكانيات تعديله، وانبثقت عنه أكثر من مبادرة داعمة، من قسم المكتبات والتعليم المستمر في الجامعة المستنصرية، والجمعيات العراقية للمكتبات والمعلومات،،ودار الكتب والوثائق الوطنية العراقية وغيرها؛ لتقديم الدورات والورش الفنية في مجال الفهرسة والتصنيف، وادارة المكتبات الإلكترونية ونحو ذلك من إمكانات الدعم المتاحة المجانية، وطرح القائمون فكرة إعادة الروح للمكتبات العامة، عبر تقديم البرامج الفاعلة لجذب القراء وتقديم المعلومة، وتحويل المكتبات إلى واحة لتنمية المجتمعات على مواجهة مخاطر الثقافات الدخيلة وموجاتها العاصفة في البلاد؛ ووسط هذه المعطيات يرنو الأمل بعيدا صوب ترجمة توصيات المؤتمر إلى واقع ملموس؛ لإعادة تصدير الواجهة الثقافية للمكتبات العامة من جديد، وإيقاد سراج القراءة على يد المخلصين الذين لايكتفون بلعن الظلام فحسب بل يشعلون سراج الأمل.