قراءة في رواية الفتيان”جبينة والشّاطر حسن”والإستفادة من التّراث الشّعبيّ
وفاء بيّاري | القدس
عن مكتبة كل شيء في حيفا صدرت مؤخّرا رواية الفتيات والفتيان”جبينة والشّاطر حسن” للأديب المقدسيّ جميل السلحوت، وتقع الرّواية التي منتجها وأخرجها وصمّم غلافها شربل الياس في 110 صفحات من الحجم المتوسّط. من الغلاف الأوّل الذي يحمل اسم الرّواية “جبينة والشّاطر حسن”، يلاحظ القارئ أنّ الكاتب استعمل حكايتين شعبيّتين مشهورتين هما “جبينه والشّاطر حسن”، وعند قراءة الرّواية يرى القارئ أنّ الكاتب قد استفاد كثيرا من هاتين الحكايتين، فخلط القديم بالجديد، والماضي بالحاضر، بطريقة سلسة وماتعة؛ ليقدّم للجيل الصّاعد وجبة أدبيّة دسمة، وليلفت انتباههم إلى كنوزنا الثّقافية الشّعبيّة. كتبت الرواية بلغة سهلة وسردية مشوّقة ممتعة للقارىء. تدور أحداثها حول العديد من الأمور والمعلومات المتنوعة المعرفية الغنية تاريخيا وثقافيا وحضاريا وغيرها، والتي أشار اليها الكاتب من خلال شخوص الرواية.
سلط الكاتب الضوء في روايته على مكانين مهمين أوّلهما جوهرة المدائن القدس الشّريف وثانيهما براري القدس عرب السواحرة. أمّا بالنسبة لشخوص الروايه كما ورد في الرواية، فمنهم من سكن في بيت المقدس البلده القديمة، وتحديدا في حيّ باب الأسباط وهم الطفلة جبينة ووالداها كنعان وبثينة، وبعض التجار كالشاطر حسن وأسرته وأطفال الحيّ وغيرهم… ومنهم من سكن في براري السواحرة (وضحه وأسرتها البدوية، وزينب وأسرتها التي انتقلت بعد وفاة الوالد الى العيش في حي بسيط من أحياء مدينة بيت لحم بسبب الفقر وضيق الحال). القدس دوما حاضرة وبقوّة في مؤلفات الكاتب، وذلك لأهميتها التاريخية والدينية والوطنية ومعالمها الحضارية الأثرية العملاقة والعريقة.
جاء في الرواية العديد من أماكن القدس المقدسة والأحياء والحارات، تحديدا قبة الصخرة والمسجد الأقصى وأكنافه، كنيسة القيامة وحيّ باب حطّة، برج اللقلق، حارة السعدية، باب العامود، زقاق وأسواق البلدة القديمة وسورها. أراد الكاتب من خلال روايته أن يعيد المجد والأهمية الكبرى (لبراري القدس)، وما يحيط بها من جهاتها الأربعة من مدن وقرى، وطبيعة جغرافية وأماكن أثرية تاريخية ذات أهميه كبرى في بلادنا فلسطين، وكان ذللك واضحا من خلال وصفه وسرده الشيق لبيئة براري السواحرة، حيث الغطاء النباتي والحيواني المتنوّع والموقع المرتفع المطل والمشاهد الطبيعية الخلابة التي تستحق المشاهدة والتأمل. من صفحة 5-10 أراد الكاتب من خلال روايته هذه أن يوضح لليافعين المفارقات بين بيئة المدينه وبيئة البراري والقرى المجاورة، بحيث لا يمكن استغناء الواحدة عن الأخرى، فكلاهما يكملان لبعضهما البعض، ولكل منهما مذاق خاص يتحلى بأبهى المشاهد والحياة الممتعة المتنوعة.
كثيرة هي المعالم الأثرية التي وردت في الرواية بوصف شيّق دقيق لها على لسان شخوص الرواية، كوالد جبينه كنعان الذي كان يحدث ويعرًف ابنته وصديقاتها وضحه وزينب على المواقع الأثرية، والمدن والقرى وسلاسل الجبال والأودية والكهوف الموجودة في براري السواحرة، على سبيل المثال جبل المنطار، الدمنة، الزارنيق، البقيعة، دير مار سابا في العبيدية، الخان الأحمر، ومقام النبي موسى وغيرها. من الصفحة 16-19 كان السرد ممتعا جدا عن جمال البرية في فصل الربيع، حيث الأعشاب المتنوعة كالخبيزة والعكوب واللوف والحميض، سلق، علك، حويرنة وغيرها.. فكلها معلومات معرفية شيقة تثري القراء وتحديدا اليافعين لأهمية الغطاء النباتي المتنوع في بلادنا، وكذللك تعريفهم بتنوع الثروة الحيوانية كما جاء على لسان وضحه وزينب، كونهما من سكان البرية وحديثهم للطفلة جبينه عن الضار منها والنافع من حيوانات وزواحف وحشرات وغيرها…كما عرف الكاتب أيضا بالمصانع المشهورة في مدينة الخليل كمصنع الجلود، وذللك من خلال قصة الثعلب النافق في الرواية في براري السواحرة ص16. من صفحة 24-25 جاء في الرواية صورة مشرقة للتسامح والتآخي الديني بين المسلمين والمسيحين في بلادنا، وذللك من خلال رحلة البراري التي اقترحها الشاطر حسن، حيث أخبر إخوته المسيحيين بالاتفاق بين إمام المسجد وبطريرك المدينة لتعميم الرحلة وموعدها. ص 53-55 تحوي الرواية العديد من القيم التربوية والإنسانية كالأمانة، الصدق، الأخلاق، الكرم وحسن الضيافة، وتحوي أيضا العديد من المشاعر المؤثره كالفرح الحزن.الحب. الغضب. الضحك. الفكاهه..الخ.
ص91-101 تطرح الرواية أهمية الحفاظ على التاريخ وحمايته من عبث الغرباء والطامعين، وجاء ذلك من خلال قصة اكتشاف الكنز في جِرار مزركشة في وادي الدكاكين بالصدفة من قبل زينب وجبينه، وهنا استخدم الكاتب (الخيال الواسع).. فالكنز كان يحتوي على عملات ذهبية نادرة، وتمثالين من الذهب الخالص الأول يمثل آلهة الكنعانين عشتار، وهو إله الحب والإخصاب والربيع. والثاني يمثل اشمون إله الشفاء، وأمّا العملات فقد تبين بعد فحصها من قبل راهب عربي أنها عملات آرامية قديمة يعود تاريخها الى أكثر من ٥٠٠ الف عام قبل ميلاد المسيح، .. حيث يريد هنا الكاتب أن يؤكد على شرعية الأرض لأصحابها الأصليين لأجدادنا، ولإثبات التاريخ العريق لبيت المقدس. ص103-105سلط الكاتب الضوء على أهمية التعليم حيث التحقت جبينه وزينب -التي أصبحت بمثابة أختها- بالكتّاب في المسجد الاقصى .. وهذا الموضوع هو دوما ما يكون من اهتمامات الكاتب الذي يشير إلى ضرورته في العديد من مؤلفاته.
كما لا تخلو الرواية أيضا من تللك الأناشيد التراثية الممتعة، التي اعتاد الكاتب ان يدرجها في معظم مؤلفاته الخاصة، تأكيدا على أهمية تراثنا العريق لحكايا وأساطير قديمه للأجداد. الروايه بشكل عام ممتعة شيقة تناسب جميع الفئات العمرية وتحديدا اليافعين.. لما تحويه من قيم تربوية وإنسانية ووطنية، تنمي روح التمسك بالأرض ورائحتها، والانتماء للوطن وضرورة الحفاظ على تاريخه والدفاع عنه وحمايته من عبث الغرباء والطامعين. ملاحظة: هناك خطأ مطبعي صفحه 64، “ابتسمت أمّ زينب وقالت .. وليس أمّ جبينه.