التجريب في الرواية العراقية النسوية

أ.د.منصور حسين عياصرة – المملكة الأردنية الهاشمية
جامعة عجلون الوطنية، كلية الآداب – قسم اللغة العربية
التجريب كتاب نقديٌّ يأخذ مكانه على مدارج النقد، ويقطع مسافةً ملحوظةً على هذا الصعيد، هذا الكتاب يحتاج إلى دراسة وفضل تأمل لما يحويه من أفكار قيمة وثرية، وليست قيمته في أنه يتحدث عن ركن مهم من أركان الرواية وهو السرد، وليس في أنّه مختصّ في ما يسمى الأدب النسويّ، فعلى الرغم من أنّهما دربان شائكان تتخللهما صعوبات ونتوءات متلاحقة، إلا أنّهما صارا دربين مسلوكين بما فيهما من وساوس وهواجس وإخافات.
لتوضيح ذلك ، أقول أن الناقد سعيد حميد الكاظم اقتحم هذين الدربين فوصل من خلالها إلى قلعة مسكونة بالظلام والمخاوف والأشباح فدخلها من بابين فأضاء ظلامها، وأبرحت أشباحها طارقة.

الباب الأول المظلم الموحش باب الرواية الرسمية، والباب الثاني باب المسكوت عنه وبينها فياف وبحور، مدّ الناقد بينهما جسرًا فصار سهل المنال مضيء الجوانب.
يتحدث الكاتب عن كنه الكتابة النسويّة في العراق، ويظهر الأنثى في فن الكتابة كما هي،من غير تبجيل زائد، أو غمض لكينونتها، من خلال فهمه التام لطبيعة الظروف الاجتماعية والسياسية،التي كانت وراء تشكيل هذه الكينونة الأنثوية الجديدة، إن هذا الوضع الاجتماعي الجديد انعكس بقوة على المكون العراقيّ الاجتماعي من ذكر وأنثى، ممّا أدى إلى اختلاف كبير في طرق التفكير، ورؤية الحياة، فخلال السنوات المشهودة الأخيرة، أو على التحديد العقود الثلاثة الأخيرة، قفزت الحياة في العراق قفزات ماراثونية، أدّت إلى أفكار ورؤى جديدة، وفي هذا الخضم الحياتي المتلاطم يمدّ الوناس أشرعته مرةً، ويحسرها مرةً، ليسير قاربه النقديّ بسلام وأمان ،من خلال ثقافته الواسعة ، وإحاطته بكل تفاصيل هذه المرحلة العراقية الماردة، فثقافةوتخصصية ظاهرة، ورؤية نقدية نافذة، جعلت الوناس يبحر في هذا الخضم المتلاطم بقوة وأمان، وأظهر المدى الواسع الجلي، الذي وصلت إليه المرأة العراقية بشكل عام، والروائية المثقفة بشكل خاص. وصرنا نسمع صوتها بشكل واضح جلي، فقد استطاع هذا الناقد، أن يحضر الغائب، بشكل قوي،، فصار الغائب حاضرًا شاخصًا، وصار الصامت ناطقاً وصار المسكوت عنه منطوقًا به، فانزاحت الستارة، وانحسر اللثام، وانكشف المكون.
الرواية الرسمية، ما الرواية الرسمية؟
ظلت الرواية الرسمية واقفة دون حراك، كأعمدة الهاتف والكهرباء، تحمل أوزارا ثقيلة، ولكنها لا تشكل جانبا جماليًّا مقنعًا بسبب إيحاءاتها الرسمية ، البعيدة عن آلام الحياة عند عامة الشعب ، شأنها شأن الرواية الرسمية العربيّة، التي تبدو دوما كناقة جرباءلا يقترب منها إلا الحواة، لكن الوناس بقلمه الرسام يحول الرواية الرسمية رغم وزرها من أعمدة صامتة لا غناء فيها، إلى مشهد رئيس في الدراما العراقية الروائية. فيجعل هذه الرواية تتحول فتؤدي دورًا جميلًا في المشاهد المثيرة التي يقدمها هذا الناقد ، فحولها إلى مشهد مقبول فيه جمال الوضوح والانكشاف، وأصبحت عضوّا فاعلًا في مسيرة الأدب، على الرغم من أنها في حقيقتها عضومخبل مخبب في مسيرة المجتمعات، استنطقها هذا الناقد المحقق المحترف، فجعلها تقول ما لم توظف لقوله، بل إنها فضحت الفكر الرتيب، الذي يقف وراءها، وعرته، فكأنها تخلت عن رسميتها، وانتقلت إلى حارة شعبية، تمور بأفكار المواطن العادي الحائر، المغلوب على أمره.
لدينا في الفكر العربي النقدي مدرسة، بدأت تتبلور، وأراها أشرقت في العراق، وارتفعت شمسها ، وأرى حميد الكاظم الوناس ، يبحر في سفينتها الفضائية بكل قوة ومتانة، وفق نظرة حازمة لا غلو فيها ولا نكوص.




