د. فيصل رضوان
أستاذ التكنولوجيا الحيوية الطبية والسموم /الولايات المتحدة الأمريكية
“إغسل يديك!” “لا تلتقط شيئا سقط منك على الأرض!” “لا تأكل من شئ -أبداً- قبل غسله جيدًا” إلخ… أغلب الآباء يربون أطفالهم على هذا منذ أجيال. نعم فإن الأيدي المتسخة يمكن أن تتسبب فى المرض. ولكن السؤال: هل من الممكن التحصن ولو من عدد كبير جدًا من مسببات الأمراض، حتى لا يمرض الأطفال أبدًا؟ هل الأطفال الذين يتجنبون التعرض لمسببات الأمراض أفضل حالًا؟ يبدو أن الإجابة على هذين السؤالين هي: لا.
المناديل المضادة للبكتيريا والصابون والمعقمات، وحتى الألعاب التي تدخل فى صناعتها مواد مضادة للبكتيريا منتشرة في كل مكان… ومع ذلك، فإن هذه المنتجات لا تخلص الجلد والجهاز الهضمي من البكتيريا، وستكون ضارة بصحتنا إذا فعلت ذلك.
الحقيقة أننا بحاجة إلى هذه البكتيريا غير الضارة داخل أجسامنا لمحاربة البكتريا الضارة ومنع مسببات الأمراض من النمو. وبالتالي، ربما تكون الرغبة في الحفاظ على نظافة الأطفال تمامًا رغبة مضللة. سوف يمرض الأطفال على أية حال، والفوائد اللاحقة لصنع ذاكرة مناعية قوية لديهم، تفوق بكثير المضايقات البسيطة لمعظم أمراض الطفولة.
هل يمكن أن يكون الإفراط في النظافة هو السبب في زيادة الحساسية في البلدان الأكثر تقدمًا؟ يعتقد كثير من العلماء ذلك. حيث تعتمد الحساسية على استجابة سريعة للجسم عن طريق دفع سيل من الأجسام المضادة IgE.
الفكرة أن جهاز المناعة مهيءٌ للاستجابة السريعة للاجسام الغريبة داخله ومنها مسببات الأمراض؛ وإن لم تكن موجودة نتيجة النظافة “الزائدة”، فسوف يستجيب بدلاً من ذلك للمواد المسببة للحساسية فى الهواء بشكل مبالغ فيه. ليس ذلك فحسب بل سوف تحارب خلايا المناعة ذات الجسم مسببة كثيرا من الأمراض المناعية الذاتية.
هذا هو أحد التفسيرات لارتفاع معدل الإصابة بالحساسية في البلدان المتقدمة، حيث تسبب الاستجابة المناعية الكبيرة لحبوب اللقاح ووبر القطط وكثير من المأكولات ردود فعل صحية خطيرة بينما لا تخدم أي وظيفة وقائية.