الفنان محمود عبد العزيز والإعلامية وفاء كمال الخشن وجها لوجه

الفنان محمود عبد العزيز الذي جعل من الفن شغله الشاغل، حيث لاشيء قد استهلكه على الإطلاق بعيداً عنه سوى التفكير بما يقدمه للناس . كان دوماً يعيد النظر بأعماله الرديئة ليسقطها . وعلى هذا الأساس لم يكن يقبل أي عمل لمجاملة صديق ، أو نتيجة ظرف ضاغط، أو لاستهواء دوره فيه. بل كان ينظر إلى العمل ككل ،وهذا ماأوصله لشريحة عريضة من الناس. في البيت والشارع ، في المدينة والريف المصري والعربي .
حين جاء محمود عبد العزيز من الإسكندرية إلى القاهرة كان يحمل أحلامه الفنية الواسعة ،مخالفاً رغبة والده الذي أراد له أن يكون معيداً في الجامعة يهتم بالزراعة والمناحل .
وقد عانى كثيراً في بداية مشواره الفني .حيث بدأ كممثل ثانوي بجانب ثلاثي بارز (نور الشريف وحسين فهمي ومحمود ياسين). لكنه سرعان مادخل قلوب الناس وأصبح بعد العديد من الأدوار المساندة أحد الأسماء الرئيسية في مسيرة الفيلم المصري . التي انهالت عليها عروض المنتجين وكتَّاب السيناريو .
تعامل محمود عبد العزيز بعد انطلاقته الفنية مع أبرز مخرجي الجيل الجديد في السينما المصرية  حينذاك، عاطف الطيب ،، علي عبد الخالق، رأفت الميهي. وقد تمكن المخرج التلفزيوني الكبير ” نور الدمرداش” من ترك بصماته الفنية على مشوار محمود عبد العزيز. فهو الذي أتى به من الاسكندرية إلى القاهرة ليمضي فترة تدريب
تحت إدارته، ودفع به للوقوف أمام نيللي ومحمود ياسين في مسلسل ” الدوامة ” . هذه الوقفة التي كانت بمثابة خطوة أولى في مشواره الفني الذي تابعه باحثاً دوماً عن طريقة جديدة غير مستهلكة يقدم من خلالها أدواراً كبيرة متشابكة ،حتى حقق نجاحات في السينما . وإلى جانب تألقه بالسينما ،كانت له أدوار تلفزيونية لاتقل أهمية عن السينما ك( الدوامة ، والإنسان والمجهول ولقيطة )وقد برز دوره في أبو المعاطي في “البشاير ” ثم في ” رأفت الهجان ” ليحيى العلمي الذي أحدث ضجة في البلاد العربية . وقد مًنِح عدة جوائز تقديرية عن أعماله.


كل تلك الهالة التي كنت أخزنُها عنه انطفأت في داخلي حال اقترابي منه. للحصول على حديث منه لصالح مجلتي .
كان يجلس منتئياً بنفسه عن الناس وعن بقية الفنانين . لم يكن محاطاً بالمعجبين كغيره .عرَّفْتّه على نفسي ، لم يبتسم وإنما هزَّ رأسه بتثاقل دون ان يبدي أي اهتمام ، قال بلهجة غير مستحبة ،: (وإيه المطلوب مني دي الوقت ) .
قلت ، إذا لم يكن لديك مانع .هل يمكن أن نأخذ منك بعض التصريحات فيما يخص أعمالك السينمائية والتلفزيونية ؟
قال :وبصفتك إيه ؟
أبرزت له بطاقتي الصحفية ..فغمغم وكأنه على عداء مع الصحافة ونظر إلي باستصغار وقال : وهل رأيت أعمالي كلها قبل أن تحاوريني ؟ أجبته
ـ بالطبع لا لم أرها كلها
لماذا ألا أعجبك ؟
لو لم تعجبني لما اخترتك من بين هذه الحشود .لكن لاأريد ان أنال شهادة الدكتوراه في أعمالك ويكفي أربعة أو خمسة أعمال لنحكم على الفنان .وأنا رأيت خمسة أعمال على الأقل
لكنه ظل يعاملني على نفس الوتيرة ، لدرجة أنني فكرت أن أوقف الحوار حين لمحت المخرج كمال الشيخ في زاوية أخرى
وكنت أحبه جداً ومعجبة بأفلامه الهيتشكوكية
التي تعتمد على الحبكة الدرامية واللغة السينمائية المميزة التي تدفع المشاهد للتأمل والتحليل.
قلت : ألا ترى أنّ العلاقة بين الممثل والجمهور تعمق التفاعل بينهما ،وكنت أريد التلميح لذلك الجفاء في وجهه باستقبالي . . صمت قليلاً وسحب شفتيه باتجاه وجنته اليمنى مستصغراً سؤالي ،وأبحر فيَّ النظر وكأنه لايريد ان يسمع ماقلتُ . فتابعتُ حديثي قائلة :أحياناً تكون النجومية بادرة من بوادر هذه العلاقة بين الممثل والجمهور القائمة على احترام الطرفين لبعضهما .فخرج من صمته حين لمح امتعاضي وقال :
ـ الجمهور يمكن ان يتفاعل مع عوامل كثيرة غير النجومية والشهرة . فكثير من العروض الجَّادة حققت نجاحاً كبيراً على الرغم من خلِّوها من هؤلاء النجوم ، وذلك لأنها تقدم المعادل المنطقي للشهرة والنجومية ، وهو مصداقية الممثل في التعامل مع الجمهور من خلال سلوكه التعبيري وسلوكه الإجتماعي والأخلاقي . فالجمهور هو سلطة كبيرة قادرة على إسقاط الفنان إذا لم يلتزم بالحدود الموضوعية في تعامله معه .
إن حديثه الراقي عن الجمهور جعلني أبحث عن مبرر لجفائه اللامبرر فأخذت أخاطب نفسي : هل اقتحمت عليه خلوته وهو يريد أن يرتاح ؟ لا ..لا كان يمكن أن يصعد لغرفته في الفندق ويرتاح ..قلت : ربما هو مريض .مع إنه لم يكن يبدو كذلك ..ثم أقنعتُ نفسي انها هي طبيعته وأعان الله الممثلة التي ستقف معه في المشاهد. وسألته على الفور :
ـ أسبق لك أن فرضتَ شروطك في اختيار الفنانة التي ستقف إلى جانبك في العمل ؟
ـ أجاب : لم أفرض في يومٍ من الأيام رغبتي على سير العمل .أو من أجل اختيار هذا الممثل او ذاك.كلهم أصدقائي ، وأحترم قدراتهم وإمكاناتهم، والاختيار يجب أن يكون للمخرج فالمخرج هو ديكتاتور العمل الفني .

***
ـ س ـ لو شعرتً أنه مخطئ هل تترك له كل الأمور؟
ـ ج ، بالتأكيد هنالك مناقشات كثيرة قبل البدء بالعمل .وإبداء الآراء ووجهات النظر لابد منها قبل دوران الكاميرا .وهذا أمر مشروع . ولكن بمجرد دوران الكاميرا ، تصبح المناقشة ممنوعة .. فالرؤية رؤية المخرج وهو مسؤول في النهاية عن الفيلم وعن خياراته وإدراكه للعمل . ولو أن الممثل هو الذي يختار فما الداعي لوجود المخرج . حين يختار الممثل هذا إيذانٌ بضعف المخرج. وانا لاأحب التعامل مع الضعفاء.

***
ٍ س ـ لقد تعاملت مع أبرز مخرجي الجيل الجديد .فهل اخترت هذا الجيل لأنك ترى أن الجيل الذي سبقه يشكو من غثاثة في الإخراج ؟
ـ ج ، لا …أنا احترم المخرج الجيد سواء أكان من الجيل الجديد أو القديم . ولكن هؤلاء المخرجين الجدد لديهم الجنون الفني المطلوب لإكمال وإنضاج العملية الفنية . هذا الجنون االمشروع الذي يمتع الآخرين دون ان يؤذيهم . لذلك أنا معجب بالمخرج رأفت الميهي الذي عملتُ تحت إدارته أفلاماً عديدة أعتبر فيها أدواري خطوة مهمة جديدة ومختلفة .

***
ـ س ـ ألاحظ انك تنبهر بالموضوع الغريب أكثر من انبهارك بعتاصر الفيلم ألا ترى معي ذلك ؟
ــ ج ـ الموضوع يبهرني ،لأن الممثل الجيد لايمكن أن يتألق من خلال موضوع هابط .والمخرج الجيد كذلك . لذا أضع في اعتباري الموضوع في المقدمة، ثم المخرج الجيد الذي يستطيع ان يفهم الموضوع ويدرك خفايا النص الذي سيقدمه للممثلين الذين يجدهم كفوئين وملائمين لتقمص الأدوار التي اختارها لهم .

***
ـ س ـ ألهذا استطعتَ أن تعيد رأفت الهجَّان إلى ذاكرة الجماهير العربية بهذا الإلحاح .
ـ ج ـ إن قصة الهجان هي أسطورة رائعة من أساطير البطولة . فالهجَّان الذي تحدى الموساد الإسرائيلي عشرين عاماً متتالية دون أن يكشفه أحد، هو إنسان عظيم حقاً لذلك لايمكن التعامل معه إلا على أنه واقع حي وملموس . ومن أجل ذلك الواقع استمعتً إلى آراء الكثيرين ، وقصص من عايشوا ” رأفت الهجَّان ” . وعايشتُ أحداث القصة كاملة لدى نشرها اول مرة . وحين قُدِّم لي الحوار قرأتَُه بانبهار كبير وإحساس مختلف .. وقرأتُ بذات الوقت الكثير عن الفترة التاريخية التي عاش فيها الهجَّان ، وعن الأحداث العالمية والمحلية والكتب التي تناولت الفترة التاريخية التي شهدت بداية عمل الهجَّان مع جهاز المخابرات العامة . وشاهدتُ أفلام تلك الفترة ، وأزياء وتسريحات الناس . وقرأت كتباًعن الجاسوسية .

***
ـ س ـ ولكن هذه الأمور هل هي من اختصاص الممثل ؟
ـ ج ـ لا هي ليست من اختصاص الممثل .إلا أنها جعلتني أعيش سنوات الخمسينات بدقائق أحداثها . لأتمكن بعدها من تجسيد ذلك الواقع حياً لينحفر في ذاكرة الجماهير .

***
ـ س ـ إذا النجومية هنا كانت للموضوع في المقدمة.
ـ ج ـ نعم النجومية عموماً هي نجومية الموضوع . وهذا ماعقبتُ عليه قبل قليل 

***
-س-إذاً انت لاتتعامل مع النص الذي يُقَدَّم إليك بحياد ولاترحب به فوراً ؟
ـ ج ـ طبعاً فأنا أقرأه كقارئ عادي مرات عدة ،وبهدوء شديد . ثم ابدأ بوضع اليد على نقاط الضعف وعلى نقاط القوة .. وهناك قراءة مابين السطور ،حتى أفهم العمل جيداً قبل ان يبهرني وبعد أن أتقبل النص ، أقوم برسم شخصياته من خلال خيالي وأنظر بعين المتفرج لأعرف المشاعر التي يمكن أن يحدثها في نفسي . وبعدها أقرر فيما إذا كان العمل يواكب مسيرتي الفنية أو اعتذر عن قبوله بلباقة . كان يحدثني وهو يتثاءب .
حينها شكرته وغادرته بلباقة بحثاً عن وجه آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى