القضية الفلسطينية بين سندان التطبيع ومطرقة النسيان؟!

ناصر أبو عون

بُعيد فوز دونالد ترامب برئاسة القوى العظمى الأولى في العالم، وبعيد إعلان واشنطن بأفعالها قبل أقوالها عن نيتها الخروج من مستنقع الشرق الأوسط، ومع دخول روسيا على خط روزنامة الأزمات العالقة في الشرق الأوسط، وانتهاجها سياسة (رفع العصا الغليظة) في وجه الجميع بلا استثناء، وصولا إلى 2019 وفي لقاء مع “مجموعة إسرائيلية” يوم  أعلن محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في  6 فبراير بأن التنسيق الأمني مع سلطة الاحتلال “مقدس”، وإنه سيواصل حربه “ضد الإرهاب” و”التطرف” باعتبار ذلك “مصلحة فلسطينية عليا”. ومن قبل هذا وذاك يشهد العالم الآن صعودا متناميا لحركات، وأحزاب اليمين المتطرف في أنحاء أوروبا، وموجات عاتية من معاداة الأقليات، واضطهاد المهاجرين كان من نتائجها المباشرة (رَكْن القضية الفلسطينية على رفوف الانتظار الذي لا يجيء)، ومن ثَمَّ يتوجب علينا إعادة طرح السؤال القديم، والوجع الذي لا ينتهي وهو: كيف ومتى نمارس ضغوطا على إسرائيل تؤتي ثمارها في كل حين وليس فقط في تلك المرحلة المفصلية والحرجة في مسيرة القضية الفلسطينية؟ هل نحن – العرب – بوجه خاص والعالم الإسلامي بوجه أخص والأصوات المنبعثة من كل أرجاء الدنيا والتي تنادي بالسلام وجعله خيارا استراتيجيا؛ هل نحن وكل هؤلاء قادرين على تشكيل جماعات ضغط (لوبي) برؤية جديدة تحمل إسرائيل على الاستجابة لإرادة المجتمع الدولي والدخول في مفاوضات جدية للوصول إلى حلول واقعية وعملانية للقضية الفلسطينية تضمن استعادة الحقوق ضمن إطار الثوابت التي أقرتها كافة قرارات الأمم المتحدة ؟ أم إن حكومة عباس (هي حكومة إطالة عمر الاحتلال، وأداة تنفيذ مشروع شارون المعاصر “صفقة ترامب”…للمشاركين فيها سيكون ألقابا تتناسب وتلك الوظيفة والمهام!)؟

عمليا يمكن تحقيق هذه الفرضيات ولكن عبر بناء استراتيجية (عالمية) وليست عربية فقط تستهدف تغيير قواعد اللعبة السياسية وإجبار إسرائيل على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والتخلي عن أجندتها الاستيطانية والتوسعية ، وذلك بتحقيق حزمة من الأهداف الاستراتيجية والأولويات نطرحها على سبيل التمني لا التطبيق الواقعي في ظل موجات التطبيع العارمة التي تزحف من المحيط إلى الخليج ومن هذه الأولويات والتي هي بمثابة (مخيلة وحلم عربي ساذج) لا علاقة له بالواقع:

أولا –  العمل على تغيير مفهوم (إدارة) الصراع العربي الإسرائيلي  في السياسة الأمريكية إلى مفهوم (حلّ) أو (إنهاء) (فضّ الصراع).. فهل نستطيع تحقيق ذلك ؟ وكيف ؟ ومتى ؟

ثانيا – إعادة بناء وتشكيل جماعات ضغط عربية وإسلامية داخل منظمات المجتمع الدولي ( الأوبك) و(التجارة العالمية) في إطار من المصالح المشتركة للوقوف في جانب الحق العربي .

ثالثا – الإسراع في تصحيح مسار الجامعة العربية وإعادة هيكلتها وتفعيل دورها وجعل قراراتها ملزمة لجميع الأعضاء .. لماذا لم ننجح حتى الآن ؟

رابعا – المسارعة في بناء كيانات اقتصادية عربية (السوق العربية المشتركة نموذجا)  وزيادة حجم التجارة البينية العربية العربية .. لماذا نتعثر وتتثاقل الخطى ؟

خامسا – تصحيح مسار منظمة التحرير الفلسطينية والتي بسبب أخطاء قيادات منظمات المقاومة تقلص دور الجماهير فيها وتحولت منظمة التحرير الفلسطينية التي أصبحت مظلة العمل الفلسطيني إلى شبه سلطة على الجماهير وحركتها، وهو وَضْعٌ حدَّ كثيراً من حركتها بسبب تشابك المصالح الخاصة بالمنظمة وقيادتها مع مصالح الأنظمة العربية والقوى الإقليمية .

سادسا – تدويل القضية الفلسطينية، حيث إن الشرعية الدولية الممثلة بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة تتضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، كما أن إسرائيل أصبحت في نظر الرأي العام الدولي، وفي نظر قطاعات رسمية دولية كثيرة تمثل خطرا على الأمن والسلام الدوليين، وعلى المصالح الحيوية والأمنية والاستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية وجميع الدول الكبرى المشاركة في صنع القرار الدولي. 

سابعا – إنهاء احتكار حل القضية الفلسطينية من جانب أميركا وإسرائيل اللتان تنسقان جهودهما في البحث عن حل للقضية الفلسطينية بصورة احتكارية منذ عام 1967. حيث قررت الدولتان أن أي اقتراح حل بشأن الصراع العربي الإسرائيلي يجب أن يحظى بموافقة الدولتين معا، وأن إحداهما لن تنفرد بقبوله تاركة الأخرى عرضة للانتقاد أو للضغط من قبل دول أخرى أو هيئات عالمية.

ولهذا رأت الدولتان ضرورة إخراج القضية الفلسطينية من أروقة المنظمات أو التجمعات الدولية مثل الأمم المتحدة، وإبقائها ضمن متناولهما وإشرافهما المباشر، أي إبقاء القضية الفلسطينية بمنأى عن قرارات قد تشكل مرجعية دولية، أو شرعية دولية، تضع الدولتين في موقف قانوني محرج.

لا مانع لدى الدولتين في طرح هوامش القضية وتفرعاتها في أروقة دولية، ولا مانع من إشراك دول أخرى في دبلوماسية البحث عن سلام، لكن شريطة أن يبقى الصراع بجوهره تحت المظلة الأميركية الإسرائيلية. لا مانع مثلا من بحث مسألة تهويد القدس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن كل القرارات التي صدرت غير ملزمة لإسرائيل ولا تدعو للقلق، لكن أميركا جاهزة لاستعمال حق النقض فيما إذا طرحت المسألة في مجلس الأمن. ولا مانع لدى الدولتين من السماح بنشاط دبلوماسي أوروبي في المنطقة شريطة أن يبقى تابعا وليس أصيلا مدعوما بإجراءات ضاغطة على إسرائيل.

التحول باتجاه الشرقين الأدنى والأقصى والذي قد يبدو للبعض أنه لا علاقة له بالقضية الفلسطينية، إنما يمثل مخرجًا للقضية الفلسطينية، التي ظلت لسنوات أسيرة للغرب المنحاز لـ “إسرائيل”؛ حيث أن التحول العالمي من القطبية الواحدة إلى الثنائية القطبية أو التعددية القطبية يفتح آفاقًا إستراتيجية جديدة أمام القضية الفلسطينية.

فهناك العديد من المسارات غير الرسمية، التي يمكن التحرك من خلالها باتجاه هذا الحل؛ فالقضية الفلسطينية قضية إسلامية وقد أثبتت أحداث غزة الأخيرة قدرتها على تحريك الشعوب الإسلامية في شتى بقاع الأرض، وبالأخص في آسيا التي تحظى فيها دولًا إسلامية بأهمية كبرى كإندونيسيا وماليزيا، وإذا كانت “إسرائيل” نجحت في الضغط على أمريكا داخليًا من خلال اللوبي اليهودي؛ فلنضغط نحن على واشنطن خارجيًا من خلال آسيا الآخذة في النمو، وإذا كان المواطن الأمريكي والغربي لا يهتم بالقضية الفلسطينية؛ فالملايين من مواطني آسيا مسلمين متفاعلين معها وسيمثلون آداة ضغط قوية على حكوماتهم، ذلك فضلًا عن أن المصالح الاقتصادية لها بالغ الأثر على السياسات الصينية الخارجية، حيث يمكن للمؤسسات الإسلامية المدنية تفعيل سلاح المقاطعة الاقتصادية، الذي أثبت كفاءته خلال الأزمة الدنماركية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى