مذبحة الأشجار !

 

صبري الموجي/ رئيس التحرير التنفيذي لجريدة عالم الثقافة

  علي حافتيه نمت وترعرعت أشجارُ الكافور الضخمة باسقة الأغصان، كانت أعطافُ تلك الأشجار كلما هبَّ النسيم تتحرك وتتمايل تمايل النشوان، اصطفت علي أغصانها أنواعٌ من الطيور مختلفة الأشكال اعتادت أن تصدح بأغاريدها التي تطرب لها النفس ويطمئن إليها الفؤاد، وفي منظر عجيب التقت أغصانُ تلك الأشجار من أعلي التقاء جعل من يرنو إليها بناظريه يظنُ أنه يخترق أنبوبا لا يصل إلي نهايته.

نبتت بجوار تلك الأشجار (نجيلة) خضراء كانت أشبه ببسط سندسية، اعتاد الناس الجلوس عليها تنعما بظلال تلك الأشجار، وجمال الخضرة ومنظر الماء بالرياح التوفيقي الذي جرت علي صفحته قواربُ للصيد أو لنقل الناس من بر إلي بر .

وفجأة ودون سابق إنذار امتدت إلي تلك اللوحة الساحرة يدٌ لا تُجيد فن الرسم فطمست معالمها وشوهت جمالها، إذ قامت بعدما تجرد قلبُ صاحبها من كل معاني الرحمة بقطع تلك الأشجار بحجة أنها بلغت أرذل العمر، وصارت تُهدد المارة والسيارات علي خطي (12) والطريق الموازي له والذي يربط بين مدينة بنها والقناطر الخيرية مرورا بالعديد من القري.

ولو سلمنا بصحة ما يدعيه المتسببون في تلك المذبحة من أن تلك الأشجار قد تجاوزت عمرها الافتراضي، وأنها صارت مصدر خطورة، فإن السؤال: لماذا تقاعسوا تلك الفترة الطويلة عن زراعة أشجار جديدة لتحل محل القديمة ؟

ولماذا تفتقر قراراتُ كثير من المسئولين إلي التخطيط الجيد والدراسات المُسبقة؟

لماذا لا يكون التحركُ واستنفار القوي واستنهاض الهمم إلا بعد وقوع الكوارث؟

إن أزمتنا أننا نؤصل لنظرية (التفاضل) ونطعن نظرية التكامل بسكين بارد، بمعني أن اللاحق لا يُكمل ما بدأه السابق؛ ظنا أن ذلك عيبٌ، فينبري يهدم أفكار وتصورات من سبقه، غير مُكترث بما أنفق عليها من جهد ومال ، ويبدأ هو من جديد، والنتيجة أننا نظلُ (محلك سر) أو قفزة في المكان !

ولله در من قال : متي يبلغُ البنيانُ يوما تمامه …….إذا كنت تبني وغيرُك يهدم ؟

إن نهضتنا كأمة لن تكون إلا إذا غلبنا مصلحة العامة علي مصلحة الفرد، وتقلص مفهومُ الأنا، وانزوت النرجسية، وتعاظم مفهومُ المواطنة والانتماء.

إن كثيرا من دعاة الإصلاح والمُنظرين يرفعون شعار( فيها لأخفيها) والمعني أنه ربما وصل الواحد منهم ليله بنهاره يُبرزُ محاسن مشروع ما، ويُعدد مناقبه ؛ علي أمل أن تُسند إليه مهمة إدارته، فإذا اختير غيرُه لإدارة هذا الأمر، سقط عن وجهه القناع، وصار ألد أعداء ذلك المشروع، الكاشفين عن مساوئه وعيوبه، الصابين عليه جام غضبهم !

إن مذبحة الأشجار تلك التي وقعت علي جانبي الرياح التوفيقي – كما أشرت آنفا – في المسافة بين مدينتي بنها والقناطر الخيرية بمحافظة القليوبية تحديدا، وتحدث في شتي أنحاء مصر جريمةٌ في حق وطن أسند مهمة إدارة المرافق والمنشآت إلي أشخاص أغفلوا دورهم وبدلا من أن يحرصوا علي جمال مصر أسهموا في إفساد ثرواتها وتقبيح صورتها.

إن قطع هذه الأشجار بتلك الهمجية – بالإضافة إلي أنه يهدد بانهدام الجسر علي حافتي الرياح التوفيقي، وتصدع الطرق وكثرة الحوادث – حوَّل الأرض علي حافتي ذلك المجري المائي إلي مقالب للقمامة زادت من تلوث البيئة وشوهت المكان.

إن المسئولية تقتضي من محافظ القليوبية  محاسبة المسئول عن تلك المذبحة وغيرها من مذابح الأشجار التي يتسبب وقوعها في تشويه جمال مصر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى