تغريبةٌ لأبي فِراس

أجود مجبل-شاعر عراقي

يا حارثَ الليلِ،
ها بَدا السحَرُ
ومرَّ مِنْ فَوقِ حُزنِنا
قَمَرُ

سَمَّيْتُكَ الموجَ
يستفيقُ على سفينةٍ
في الغُموضِ تَنتظِرُ

سَمّيْتُكَ المُنْتأى
تُشَيِّدُهُ هَوامشُ الراحلينَ
والصُّوَرُ

على مياهٍ
لَصَقْتُ أسئلتي
وفَوقَ سَهْوٍ
تَدَخّنَ العُمُرُ

والرُّوحُ قيثارةٌ مُجَرّحَةٌ
إن يبتعدْ عازفٌ
بكى وتَرُ

تَبَرّجَ الموتُ فيَّ
مُقْتفياً طفولةً
بالرصاصِ تَستتِرُ

مَشَيْتُ
والريحُ في دَمي عَطَبٌ
وعُدْتُ
والفَقْدُ في يَدي ثَمَرُ

فيَّ اغتراباتُ كوكبٍ
وعلى عينيَّ
من كبريائهِ أَثَرُ

أتيتُ من لهْجَةِ النخيلِ
وفي خُطايَ
مَجدُ اللّهيبِ يُختصرُ

مِنَ المواويلِ
حينَ يَدهَسُها تَفَلُّتُ الأمُنياتِ
والضّجَرُ

مِنْ دمعِ أشيائِنا الّتي صُلِبَتْ
مِنْ كلّ حُلْمٍ
وَشى بهِ حَجَرُ

مِنَ المُشيرينَ
نحو غِبْطتِهِمْ
تَعَثّرتْ شمسُهم
وما عَثَروا

والمُستعيرينَ كُنْهَ عاصفةٍ
إنْ تَعْبُرِ الريحُ مَرّةً
عَبَروا

تسَلّقوا عُمْقَهُم
فأَنْجَبَهُمْ
وفَوقَ صَحوٍ مُدَنَّسٍ
سَكِروا

يا لَيلُ
لا تَنْسَهُمْ إذا بَعُدُوا
فهُمْ نَداماكَ
حَيثُما سَهِروا

…………………………

مِنْ كُوّةٍ،
مَرّتْ السنينُ بها
ولمْ يُشاغِفْ هواءَها
خَبَرُ

ونَخلةٍ في السّوادِ
مُعْذِقَةٍ
ماتَتْ
ولمْ يَبْكِ خَلْفَها الشجَرُ

ومِنْ عَليٍّ
يُضيءُ مُرتدياً صَلاتَهُ
والظلامُ مُعتكِرُ

لمْ يستلِبْ نَمْلَةً
وفي يدِهِ كنُوزُ دُنْياهُ
وهو يَفتقِرُ

……………………

أسَيَّدَ الوحشةِ، استبدَ بنا تلبُّسٌ
واستساغَنا خَطَرُ

تَشَجَّرَتْ أُمسياتُنا وَلَهاً
ولمْ يُلامِسْ نُشوبَنا
حَذَرُ

نَهُزُّ أَقْفالَنا على أَملٍ
لعلّها في غدٍ
سَتنكسرُ

وتلكَ أسوارُنا
كمِ اتّصَلَتْ
وأُفْقُنا ضامِرٌ
ومُندحِرُ

يا فارساً ،
ما رأيتُ صاهِلَهُ
يَزيغُ عَنْ وقتِهِ
ويَعتذِرُ

مُسافراً
في حَمامةٍ هَتَفَتْ
وواقفاً
حيثُ يَظْمأُ المَطَرُ

إذْ حاصرَتْكَ الشجونُ
نابحَةً
وعَرْقَلَتْكَ القبورُ
والحُفَرُ

فَضَاعَ في لَكْنَةِ الصّريرِ فَم
فلا حِكاياتُهُ
ولا السَّمَرُ

إنّي وإيّاكَ
جَدولا شجنٍ
لم يتعبا
والجِهاتُ تَندثِرُ

نَقْتاتُ
مِنْ غَيمةٍ مُمَزّقةٍ
تُعِيرُنا مَوْتَها
فَننتشِرُ

تَفيضُ رَغْمَ الهَجيرِ
أَكؤسُنا
ونزدهي والقُيودُ تنهمرُ

مَهْما أَلمّتْ بنا
سَلاسِلُنا
سنلتقي
والهوى لنا قَدَرُ

بغدادُ في مَوكبِ السّنا حَلَبٌ
ضُحاهُما في العُيونِ
يُدَّخَرُ

هَواهُما
رَكْعتانِ مِن شَغَفٍ
وسَجْدَةٌ لمْ تَبُحْ بها السُّوَرُ

إنّي على البُعْدِ
أصطفيكَ أسًى
واللّيلُ
بالغائبينَ ينحدرُ

نبكي كِلانا
على شَذا وطنٍ
مُكوثُنا في جِراحِهِ سَفَرُ

فكلُّ إيماءةٍ لهُ
عَبَقٌ
وكلُّ ذَنْبٍ بهِ
سَيُغْتَفَرُ
…………………
أجود مجبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى