الوطن المسافر (أقصوصة)

حياة البوسالمي | روائية تونسية

وحين تحترق كل الطرق التي كنت تعبرها لذاك النخل البعيد عليك أن تختلق طريقا يوصلك الي الصنوبر والفلين…. رددت خديجة وهي تطوي حجابها المبلل بعرق السنين… نظرت الي النافذة فبدا لها البحر مهاجرا بلا سفن فكل الحركات التجارية توقفت بسبب هذا الغول الذي داهم القرية دون سابق إنذار ولأول مرة تشعر خديجة ان البحر سيهاجر دون رجعة… نعم كان يعانق المد والجزر ‘يرحل لبرهة ويعود ليعانق شواطئه لكنه هذه المرة لوح لها برداء اسود يودع ماتبقى في شواطئه. أغلقت النافذة بسرعة لأنها كانت تنبذ لحظات الرحيل. يكفيها رحيل الاب وكل العشيرة وما بقى معها سوي رعاف تعيش على أسئلته المفزعة. كان رعاف كثير التسآل وللأسف أحيانا لاتملك خديجة كل الأجوبة. الليل يأتي على غير عادته وحشا كاسرا تزفه إلى البيوت أصوات ألبوم المشؤومة ورعاف لم يعد بعد… تعودت خديجة على غيابه لكن هذه الليلة طال غيابه وبدأ القلق يتسرب إليها”تري أين تكون يا رعاف في هذا الليل البهيم؟” لم تنم وهي حبيسة القلق والخوف على من يشاركها وجدتها… ماذا لو لم يعد رعاف؟ لا لا أتصور نفسي دونه… ستكشر الوحدة أنيابها في وجهي… حتى البحر رحل مع سفنه وماذا بقى لك ياخديجة؟! لابد أن تبحثي عنه.. استفاقت خديجة وارتدت *قبقابها* الخشبي وقررت أن تجد رعاف… بدإ الفجر يلوح ببشائره ورعاف لم يظهر بعد..
أخذت تنادي بأعلى صوتها:”رعاف يا وجعي أين أنت؟”. صرخت وصرخت ولكن ما من مجيب
رفعت عيناها الي السماء… أيتها الشمس لا ترحلي فالغول الذي اغتصب ارضنا وشرد بحرنا وسفننا لن يقدر عليك… ابقى ساطعة في السماء إلى أن أجد رعاف… ساعات وهي تبحث عنه واخيرا وجدته في أعلى النخلة يلوح بقميصه. نظرت إليه وبكت… لم تدري اهو بكاء الفرح لأنها وجدته! أم نزيف الوجع حين سألته:لمن تلوح يارعاف؟ الكل رحل بسبب هذا الغول”لكنه أجابها…. ألوح للوطن إنه سيسافر إلينا… علم أننا عاجزون على السفر إليه فقرر السفر إلينا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى