حرب الهيكل: علم الغيب وتاريخ الصراع في الشرق الأوسط

تأليف: جانلوكا مارليتتا

عرض: فاتنة نوفل

جانلوكا مارليتا الباحث الشاب في تاريخ الأديان، مؤلف العديد من الكتب من بينها هذا الكتاب المنظم والموثق الذي بحث موضوع الهيكل من زوايا متعددة، من خلال إعادة الإعمار التاريخي للأحداث التي سبقت النتائج الحالية، حيث بحث في الأوقات والشهادات البعيدة، وتابع الأحداث التي أدت في سرية إلى تدمير الهيكل وإلى تشتت الشعب اليهودي، كنتيجة منطقية لرفض الاعتراف بالمسيح.

هذا إضافة للذرائع اليهودية غير الصحيحة التي أدَّت لثابت واحد وهو الضياع والانفصال عن التقاليد المتعارف عليها في الأديان التوحيدية الثلاث، وما ترتب على ذلك من فقدان أبعاد التدين الأخلاقي والعاطفي في الديانات البروتستانتية المسيحية والسلفية الإسلامية، ودور الحركة الصهيونية اليهودية نفسها والتي أصبحت أفضل الحلفاء للمسيحيين؛ مما يهدد الكنيسة الكاثوليكية في أتباعها الذين يزدادون تعاطفا لدعوات التيارات العالمية الحالية التي تعمل على سحب هذه التيارات الروحية نحو العمل السياسي الشائن لبيئات مثل المحافظين الجدد، الذين يهيمنون على المؤسسات الأمريكية ويضعون كل البلدان الخاضعة للسيطرة الأمريكية في مواجهات وحروب مستمرة. وهنا يشير مارليتا إلى “التحالف غير المألوف” الذي أصبح أكثر فاعلية بين المحافظين الجدد في السلطة في الولايات المتحدة والقوميين الإسرائيليين والصهاينة والسلفية: تحالف لم يكشف عن نفسه بشكل صريح، ونجح في زرع الدمار في العراق كما في سوريا واليمن كما في باكستان؛ مما دفع إلى نتيجة معلنة كارثية لم تعد خافية في الإطار الدولي بأكمله من تعزيز للنزاعات والحروب الوقائية، مع نتائج غير متوقعة بتوجيه من مجموعة من القتلة الذين يشعرون بأنهم محاطون بأعداء يريدون تدميرهم، إلى جانب المتعصبين الدينيين الذين يدفعون البشرية جمعاء نحو كارثة محققة كنتيجة لفقدان مركزية الروح والحضور الديني الأصيل.

إنَّ حلف المحافظين الجدد يقدِّم نفسه كحركة سياسية لليمين (خاصة الأمريكية، ولكن مع امتدادات مهمة في أوروبا) وداعم حاسم للغرب (عقيدة صدام الحضارات) تتميز بتطبيق عملي بلا ضمير وأخلاق مكيافيلية.

النقطة التي يبدأ منها المؤلف في كتاب “حرب الهيكل: علم الغيب وتاريخ الصراع في الشرق الأوسط” هو الفعل الذي قرر فيه دونالد ترامب في 14 مايو 2018 نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والتي قدمها الرئيس الأمريكي الجديد بأنها لم تعد مدينة دولية، بل عاصمة لدولة إسرائيل وللإسرائيليين، وبالتالي استبعاد الفلسطينيين (المسيحيين والمسلمين) لأنهم “شعب بدون دولة “وقريباً بدون هذا القدر القليل من الأرض (22% فقط من فلسطين) التي لا تزال قائمة.

استند مارليتتا إلى وثائق ومراجع دقيقة مصدرها مركز مكداش التعليمي الذي قرر مؤخرًا صك ميدالية جديدة بوجه ترامب وقورش الكبير ملك فارس القديم (558-529 ق.م) والذي سمح بعودة اليهود إلى وطنهم في عام 539، بعد أن احتل الملك البابلي نبوخذ نصر القدس عام (605-562 ق.م) ودمرها مع أول معبد في عام 587/586، ورحَّل سكانها إلى بابل. الكتابة على الميدالية كانت عن قصد باللغات العبرية والعربية والإنجليزية التي تحتفل بترامب لأنها “وفقا للتطلعات الجديدة التي أعيد إنشاؤها في إسرائيل ستؤدي إلى إعادة بناء الهيكل اليهودي على ما يسمى الآن باحة المسجد الاقصى في قلب القدس”؛ حيث يعتبر مركز مكداش التعليمي أحد مجموعات الحاخامات العديدة التي تدعم إعادة بناء الهيكل، الذي تم تدميره عام 70 بعد الميلاد على أيدي الرومان.

علاقة الربط الغريبة بين الرئيس ترامب وقورش الكبير تجد تفسيرا دقيقا في هذا السياق: حين قام قورش بإعادة بناء الهيكل الثاني (بعد أن تم تدمير هيكل سليمان الأول من قبل البابليين في عام 586 قبل الميلاد، حيث من المأمول أن يتمكن الرئيس الأمريكي الحالي (المعروف بتعاطفه المؤيد لإسرائيل) من إدراك الحلم أخيرًا بإعادة بناء الهيكل، إلى جانب المطالبة في كل سنتيمتر مربع من أرض إسرائيل (أيريتز إسرائيل) والحاجة إلى إبعاد (غير اليهود) لما يراد لها أن تكون دولة عرقية لليهود فقط تمت الدعاية لها في مسيرة في باحة المسجد الأقصى في تاريخ 28 يوليو 2000 من قبل أرييل شارون حيث كانت لفتة رمزية لتؤكد الحاجة إلى الوصول في أقرب وقت ممكن لإعادة بناء الهيكل.

مارليتا تفهم قيمة الإيمان لـ”مسيرة” شارون هذه، والتي أعقبت “المسيرة الليلية” في 23 يوليو 2000 لمئات المستوطنين الإسرائيليين الذين قاموا بغزو المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف مع الاحتفال بالطقوس اليهودية (التي لا يمكن الاحتفال بها إلا من قبل الكهنة المنحدرين من أهارون ويتم انتخابهم من قبل الكهنة الآخرين)، في المكان الذي كان يُقام فيه المعبد والذي لا يمكن تقديم التضحيات فيه لله إلا عليه كما هي الحال في العهد القديم مع خطر تدنيس أرض الحرم القدسي الشريف حيث لا يمكن السير عليه إلا من قِبَل رئيس الكهنة ولمرة واحدة كل ثلاثة أعوام كعلامة على استعداد إسرائيل لإعادة بناء الهيكل بعد إقامة المسجد الأقصى ومسجد عمر وقبة الصخرة.

علاوة على ذلك، في 13 فبراير 2002، خرج حوالي نصف مليون إسرائيلي في مظاهرة نظمها مؤمنو المعبد، وصولاً إلى باحة المساجد، متعهدين بالاستيلاء على كل القدس. وفي 28 أبريل 2017، ألقت اليونسكو باللوم على “الاستفزازات المستمرة ما يجعل أعمال العبادة الإسلامية في الموقع صعبة بالنسبة للحرمين” في الوقت نفسه، هناك جمعيات في إسرائيل تقوم عملياً بالإعداد لإعادة الإعمار “التالي” للمعبد. واحدة من أكثر الجمعيات نشاطًا وقوة هي Ateret Cohanim Yeshiva وهي مدرسة مسؤولة عن تدريب كهنة الهيكل في المستقبل. ما يؤكد بحق على أهمية الدور الذي يلعبه اللوبي اليهودي/الأمريكي والذي يطلق عليه بشكل غير صحيح “مسيحي/صهيوني” في حين يجب أن يُطلق عليه للدقة اسم” البروتستانت/الصهيونية “، لأنه يتكون من حوالي 20/40 مليون بروتستانتي إنجيلي أمريكي، والذين يؤمنون فقط بتاريخ إسرائيل في العهد القديم، دون الإشارة تقريبًا إلى المسيح والعهد الجديد، فهم ممن يعتقدون أنه من الضروري إعادة جميع اليهود إلى فلسطين حتى يتمكنوا من إعادة بناء الهيكل الثالث لتسريع المجيء الثاني للمسيح.

وهنا، يشير الكاتب إلى دور وسائل الإعلام في العالم العلماني الغربي/الأطلسي الذي لا يفهم ويرفض أن يتفهم الأهمية الدينية لهذه الأحداث والتي فهمها الفلسطينيون جيدًا، وكانت الإجابة بتفجير “الانتفاضة الثانية”. كما حدد الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في 19 يوليو 2018 إسرائيل بأنها “دولة /أمة الشعب اليهودي” والحَطّ من قيمة اللغة العربية (التي يتحدثها حوالي مليوني شخص في فلسطين) من “لغة رسمية” إلى “لغة ثانوية”.

اليهود، الذين طردوا من فلسطين بشكل نهائي من قبل الإمبراطور أدريان في عام 135 بعد الميلاد، مع حظر عودتهم وجعل عقوبتها الإعدام، تبعها في القرن السابع الميلادي (حين لم تعد الإمبراطورية الرومانية للغرب) حاول اليهود استعادة القدس ويهودا مستغلين ضعف الإمبراطورية الرومانية البيزنطية، طالبين العون من الملك الفارسي كسرى (590-628) بالتمرد على الإمبراطور البيزنطي هرقل (610-641). احتل الملك الفارسي القدس عام 613 ودمرها، لكنه هزم في نينوى عام 627 على يد الإمبراطور البيزنطي هرقل. لكن الفرس ألحقوا أضرارا بالكنائس المسيحية في القدس، بما في ذلك تلك التي كانت بالقرب من أنقاض الهيكل وأعطوا حلفاءهم اليهود الفرصة للاستيلاء على المدينة المقدسة وذبح المسيحيين. حيث أقام الإسرائيليون لمدة 15 سنة (حتى 628) وكانوا قادرين على إعادة التوطين في القدس، وخلق الحكم الذاتي الخاص بهم تحت حكم كسرى حتى أعاد البيزنطيون الهجوم المضاد على الحكم المسيحي في الشرق الأوسط عام 628 لتعود القدس إلى المسيحيين، ولكن لبضع سنوات. في الواقع وفي عام 635 ذهب العرب المسلمون هناك وظلوا هناك دائم باستثناء الفترة من 1096 إلى 1099 حتى 1187.

وأعاد المسيحيون بناء الكنائس المدمرة وترميمها، وطرد هرقل السكان اليهود من القدس ومنع مرة أخرى دخول الإسرائيليين إلى المدينة المقدسة. عند وصول العرب إلى القدس، حصل بطريرك القدس الكاثوليكي صفرنيوس على حرية العبادة من خلال دفع ضريبة مقابل التزام المسلمين بالدفاع عن المسيحيين من الانتقام من اليهود. قام الخليفة عمر أثناء زيارته للمدينة المقدسة، بتطهير معبد الهيكل وبناء مسجد عمر الذي بناه مهندسو المدرسة البيزنطية وفقًا للتقاليد المعمارية المسيحية الشرقية. كذلك أعطى الخلفاء المسلمون اليهود الإذن للعودة إلى القدس وإعادة تأسيس مجتمع ديني يهودي. كانت العلاقة بين الإسلام واليهودية أكثر سلمية بشكل عام من الإسلام والمسيحية. ومع ذلك، حتى القرن الحادي عشر كان هناك تسامح معيّن للإسلام أيضًا فيما يتعلق بمسيحيي الأرض المقدسة، لكن مع صعود الإمام الحكيم في مصر من الطائفة الإسماعيلية، بدا معاديًا حقيقيًا للمسيحيين من حيث الاضطهاد؛ مما أدى إلى تدمير كنيسة القيامة، وبالتالي إلى رد فعل المسيحية (1095) بالحروب الصليبية الشهيرة.

بدأت الكنائس المسيحية الأولى في بناء أورشليم مع تحول قسطنطين إلى المسيحية (سنة 312) على جبل الهيكل (المعبد الأول 1000 ق.م.، المعبد 516 أ) أوجبل موريا – حيث تم إنشاؤه وفقًا للتقاليد.

هنا.. يبحث الكاتب في أبرز التطورات التي حصلت في الفترة التي تمتد إلى قرنين من الزمان من نهاية العصور الوسطى إلى عصر الحداثة، وشملت الديانات التوحيدية الثلاث بطرق مختلفة. فيما يتعلق بالديانة المسيحية كانت واحدة من أكثر الحقب دراماتيكية في تاريخ الغرب؛ حيث تمَّ تدمير نظام الفروسية وهو عنصر قوة الإمبراطورية وعملية علمنة الدين الكاثوليكي الناجمة عن ولادة “الدول القومية” في القرن الرابع عشر وفقدان هيبة الكنيسة لتخضع للقوى الدنيوية لتكون أسباب غروب حضارة العصور الوسطى مع قيمها ومبادئها وأشكالها ليولد من الرماد حضارة مختلفة تمامًا تتحلى بروح العقلية التجارية مما ترك المكان للإمبريالية البحرية للقوى العظمى واستخدام الدين نفسه الذي كان لا يزال واسع الانتشار لإحداث تغييرات جذرية قادت إلى سلسلة من العواقب البعيدة عن روح الدين والتي لا يمكن إيقافها.

أما فيما يتعلق باليهودية، فإنَّ القرن الخامس عشر يتزامن مع واحدة من أكثر الأحداث الصادمة؛ ففي عام 1492 اضطرت الجالية اليهودية الإسبانية “واحدة من أكبر وأكثر الجاليات أهمية”، جنبا إلى جنب مع الجالية الإسلامية إلى إخلاء أرض إسبانيا التي شملت ممالك قشتالة وأراغون وجنوب إيطاليا. هذا الحدث هو نتيجة لإعادة الهيكلة بالمعنى القومي للممالك الغربية الحالية بهدف تعزيز الهوية العرقية للدولة التي تميل إلى المركزية وتهميش الجاليات الأجنبية.

عشرات الآلاف من المسلمين واليهود الإسبان اختاروا الاستقرار تحت حماية السلطان التركي في سالونيك، وإستانبول وأماكن أخرى من الشرق الأوسط. أحد الآثار المترتبة على هذا المنفى هو عودة النهوض بالمسيانية السياسية حيث رأى الكثير من الحاخامات أن في الخروج من الأرض الإسبانية واحدا من آلام الولادة الكونية التي تستعد لمجيء الحقبة الأخيرة وانتقال الجاليات إلى شرق البحر المتوسط المتاخمة لأراضي الأجداد ينظر إليها كعلامة تأكيد على اقتراب وقت ظهور المسيح المنتظر الذي بقي ظهوره حتى تلك اللحظة مرتبطا بإرادة الله. لتظهر قوة سياسية قوية تحاول تعجيل وقت ظهور المسيح المنتظر.

أما في الديانة الإسلامية ووفقا لأحاديث صحيحة، فإنَّ سيناريو المعركة سيكون في الأرض المقدسة بين سوريا وفلسطين. سوف ينزل المسيح من السماء في دمشق في موقع المئذنة البيضاء للمسجد الأموي، وسيتم القضاء على الدجال قبل البوابة الغربية لمدينة القدس، والتي تؤدي إلى مدينة اللد. علم الاجتماع الإسلامي غني بالإشارات إلى نهاية العالم وإلى الصراع الأخير بين الشعوب؛ مما يعمق الارتباط بين الأرض المقدسة والأحداث الحالية.

ومن المثير للاهتمام قراءة كتاب مارليتا لفهم كيف يدير العالم يائسا الحرب النووية من أجل إعادة بناء الهيكل والتعجيل بقدوم المسيح الذي ما زالت اليهودية التلمودية تنتظره. وهنا يخلص الكاتب إلى نتيجة في المستقبل القريب للغاية، وهو إذا تمَّ إكمال جزء صغير فقط؛ مما تمَّ التنبؤ به من خلال الكتاب الذي تعاملنا معه، فسيخضع العالم لتجارب ثقيلة؛ مما يجبر على اتخاذ خيارات محددة. فحتى لا نكون من جهة هذا التيار ونخدم بشكل سلبي يجب أن تكون لدينا القوة والشجاعة للمسيرة والقتال تحت راية الروح والحفاظ على مظاهر إنسانيتنا.

——————–

– العنوان: “حرب الهيكل: علم الغيب وتاريخ الصراع في الشرق الأوسط”.

– المؤلف: جانلوكا مارليتتا.

– الناشر: إرفان للنشر، ايطاليا، 2018، باللغة الإيطالية.

– عدد الصفحات: 132 صفحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى