القمع مسلحا بالغباء
نهاد أبو غوش | رام الله – فلسطين
الغبي أو الأحمق هو من يقوم بأفعال تضره هو قبل غيره. مؤكد أنه لا يقصد إيذاء نفسه، ولكنه لا يحسب عواقب أفعاله: فقد يكون مدفوعا بانفعالاته أو أهوائه أو غليان أعصابه مما يسمع أو يرى. فالذي ينهال بالهراوة أمام الكاميرات، على شابة تعبر عن رأيها، أو على طالب يتظاهر لأمر ما، أو صحفي يغطي الأحداث، تحكمه انفعالات اللحظة عينها ولا يتوقع أن أفعاله سيراها ملايين الناس عبر العالم وسوف يشجبون فعلته ويزدرونه ويحتقرون السلطة أو النظام الذي يمثله ويعتقد أنه يدافع عنه. وحال هذا الضارب بالهراوة كحال من يحجب المواقع الاليكترونية وهو يظن أنه رسم للناس حدودا حاسمة قاطعة لما يحق لهم أو لا يحق أن يروا ويتابعوا ، وأنه يملك سلطة عليا أو حقا مطلقا لتشكيل وعي الناس وثقافتهم. ومثلهما تماما من قطع المشهد المسرحي للفنانة عشتار فقرر وقفه بحجة أنه لا يناسب ثقافة المدينة أو تقاليد الجامعة أو أيا من الهراء الذي خطر بباله ساعة أن قرر فعلته، فأضرّ بنفسه أولا وبكليته وبجامعته ومجتمعه وبالمناسبة التي من اجلها أقيمت الفعالية قبل أن يضرّ بنا جميعا ويسيء لفلسطين التي قزّمها إلى درجة تصويرها خائفة مذعورة من مشاهدة فنانة تقدم عرضا بذراعين مكشوفتين.
تتجمع أكثر من مصيبة في الظواهر الآنفة الذكر: فالمسؤولون عنها منقطعون عن هذا العالم، لا يحيطون بما يجري من تطورات على الرغم من شهاداتهم العلمية ومواقع السلطة والنفوذ التي يتبوأونها، يظنون أنهم قادرون على إدارة الأمور كما كانت تدار قبل خمسين عاما.
كما أن هؤلاء لا يعترفون بالآخر وحقه في الاختلاف عنهم وعن طريقة تفكيرهم، ويظنون أن ما يرونه صحيحا هو صحيح بالمطلق شاء من شاء وأبى من أبى، بل إنهم يمدّون هذا المنطق إلى نهاياته التعسفية فيظنون أن من حقهم تحديد ما يلبس الآخرون وما يأكلون وما يشربون والطريقة التي بها يفكرون.
ثمة قدر كبير من العبث في أعمال هؤلاء من أدوات القمع المعاصرة، فكل أفعالهم ومحاولاتهم لن تنجح في معاندة التاريخ ، ربما يشوشون على التفاصيل لكنهم حتما لن ينجحوا في استعادة الماضي ولا في تأبيد الحاضر ولا في التصدي للمستقبل