قراءة في ” وقت آخر للفرح ” للكاتبين محمود شقير و شيراز عنّاب
بقلم: رفيقة عثمان
استخدم الكاتبان أسلوب أدب الرّسائل بينهما، بحيث تناولا مضامين عديدة من الممكن قراءتها من واء السّطور تتخلّلها رسائل توعية فكريّة وفلسفيّة تحاكي عقول الفتيان وقلويهم؛ حيث تحدّث كلّ كاتبٍ عن نفسه وعرض وجهات نظره الخاصّة، بحيث تبنّى الكاتب محمود شقير الحديث عن القدس، والكاتبة شيراز تبنّت الحديث عن مدينة نابلس.
من خلال هذه الرّسائل جرى حوار متواصل بين الكاتبين، حول مواضيع مختلفة، قام بطرحها أحد الكاتبين مستفسرًا حول موضوع معيّن، ويقوم الكاتب الآخر بالرّد عليه وطرح فكرته الخاصّة.نهج الكاتبان أسلوب الاسترجاع الفنّي – من خلال سرد الأحلام وتفسيرها، أو من خلال عرض الذّكريات.flashback-
برزت طريقة التذواصل بواسطة التواصل الاجتماعي الإلكتروني الحديث، باستخدام الفيسبوك أثناء المراسلات بين البطلين. هذا يدل على تقمّص روح الفتيان، والتواصل بطريقتهم الحديثة.
لم تخلُ الرّواية من روح الفكاهة والسّخرية المُحبّبة لروح الفتيان، مثلًا عندما وصف الكاتب شقير أنف جدّه بأنه كبير ومُدحبر، لدرجة بأنه صاروا ينادون العائلة بعائلة دار المنخار (فيما معناه). كذلك موقف آخر عندما كان الفتيان يركضون وراء الجنود ويلصقون ملصقات على ظهورهم ومكتوب عليها “لا للإحتلال” فيضحكون ويهربون.
في هذه الرّواية كان عدد الشّخصيات محدودًا، شخصيّة الفتى يزيد قام بدورها الكاتب شقير، وشخصيّة الفتاة نجلاء قامت بدورها الكاتبة شيراز عنّاب. تقمّص الكاتبان شخصيّات الفتيان وتحدّثا بمستوى فكري مناسب لهذه الفئة العمريّة، باستخدام لغة بسيطة وسهلة دون تعقيد يُذكر؛ فأسلوب الرّسائل يجذب الفتيان للقراءة، نظرًا لسلاستها وقصرها، وضرورة المتابعة لمعرفة ردود الفعل.
نجح الكاتبان في هذه النّصوص التعريف على الأماكن والمدن الفلسطينيّة والأماكن الأثريّة، مثل: القدس ونابلس ومعالمهما الهامّة؛ بهدف ترسيخ الانتماء للوطن والمكان والأرض، مع تقديم معلومات تاريخيّة بأسلوب غير مُقحم.
لو تأمّلنا الزّمكنة في النّصوص (الرسائل)، المكان المحوري الّذي ركّز عليه الكاتبان هو فلسطين (القدس ونابلس) بالإضافة الى مدن أخرى: بيت لحم وأريحا ورام الله والخليل؛ بينما الزمن كما يبدو بأنّ الرّواية حديثة، وممكن اكتشاف ذلك من خلال الحديث حول مرض (الكورونا) الّذي اجتاح العالم منذ سنة ونصف تقريبًا.
“وقتٌ آخر للفرح” اختارالكاتبان هذا العنوان، نظرًا للفرح المنقوص دائمًا؛ لانه يُمنع مشاركة الحفلات والأفراح في القدس، كما ذكر بالرسائل”وقت آخر للفرح غير المنقوص يكون لنا في المستقبل غير البعيد في قلب القدس” صفحة 5. هنا يبثُّالكاتبان الفرح والأمل في نفوس الفتيان نحو تحرير القدس؛ ليعمّ الفرح فيها وبها.
ظهرت في الرواية توعية الفكر وتشجيع الفكر الحر للفتيان، عندما ذكر الكاتب شقير ” قال معلّم التّاريخ ذات مرّة: علينا أن نفتح عيوننا في كل الحياة، علين أن نفتح نوافذنا على كل الجهات، فلا نبقى أسرى لضيق الأفق والتّعصّب والانغلاق”. اعجبتني هذه الرّؤية المتطوّرة نحو الحياة، بتوجيه الفتيان نحو تفكير شمولي وليس تفكيرًا تعصبيّاً أو نمطيًّا مقولبًا، بل نحو تفكير تحليلي ذاتي، وليس تفكيرًا تبعيًّا.
لم يغفل الكاتبان الحديث عن التوعية السّياسيّة، وطرح موضوع حق العودة للفلسطينيين؛ عندما ذكر الكاتب شقير، عن الصحن الطّائر وطبيعة عودته للأصل، وتمنّى بأن تكون العودة للأصل للفلسطينيين.
لفت انتباهي وجهة النظر المتطوّرة نحو حقوق المرأة، من ناحية الّلباس والفكر، ومن المهم النظر للمرأة الى فكرها وإنجازاتها، وعدم الحكم عليها من خلال ملابسها ؛ كما وضّح ذلك من خلال الفتاة التي سابقت بالرّياضة وفازت كانت تلبس ملابس رياضيّة قصيرة. ليس هذا فحسب، بل ظهرت هذه الفكرة عندما ذكر الكاتب شقير في إحدى رسائله، بأنّه تمنّى لو كانت امرأة نزلت من الفضاء.” تمنيت أن أرى رجلًا فضائيًّا مع امرأة فضائيّة”.صفحة 33.هذا الفكر المتنوّر ليس بعيدًا عن أديبنا شقير والذي يناصر المرأة العربيّة والفلسطينيّة بشكل خاص بكافّة الميادين، والدليل على ذلك مشاركته في تأليف هذه الرسائل الأدبيّة، مع الكاتبة الفلسطينيّة شيراز، وهما متساويان في العطاء والإنتاج.
استحضر الكاتبان أسماء لأدباء وشعراء فلسطينيين مشهورين، أمثال: ابراهيم طوقان، وفدوى طوقان، وأكرم زعيتر، وسحر خليفة، وعلي الخليلي. صفحة 25. هذه الإضاءة ترسّخ معرفة الأدباء والشعراء في أذهان الفتيان والبحث عن إنجازاتهم والاحتذاء بهم.
استخدم الكاتبان التّناص: مثلًا: بيت من قصيدة المتنبّي ” ذو العقل يشقى في النّعيم بعقله وأخو الجهالة في الشّقاوة يتعلّم”؛ كذلك تناص آخر:” بلادي وإن جارت عليّ عزيزة … وأهلي وإن ضنّوا علي كرام”.
خلاصة القول: تعتبر هذه الرسائل الأدبيّة، نصوصًا شيّقة للقراءة لجيل الفتيان؛ لِما تحتوي من رسائل علميّة وتربويّة؛ لإكسابهم معرفة الوطن، والانتماء إليه، بأسلوب محبّب وقصير.
انتهت بحمد الله