الاعتراف بالحب فضيلة

دكتور عادل المراغي| أكاديمي مصري
ماذا عليك لو أخبرت أولادك الآن أنك تحبهم؟، وماذ عليك لو أخبرت زوجتك الآن أنك تحبها؟، ولو أخبرت زوجك الآن أنكِ تحبينه. ولوأخبرت إخوتك وأقاربك وأصدقاءك بأنك تحبهم ،قم وتدارك حياة من تحب قبل أن تُفرِّق الأيام بينكم، فالدنيا أقصر مما تظن فقد فاحت رائحة الموت من كل مكان
وأصبح الموت قريباً منا قدر شبر الشابر، ورُبَّ فراق يتضاعف ألمه كلما تذكر المحِب أنه لم يُشعر من يحب بما استكنَّ فى قلبه من محبة، وما يحمله له من صفو الوداد، كرِّر ذلك بين الفينة والفينة،ففى وقت الهموم والمصائب والمحن والشدائد، دفء المحبة يجلو الصدأ عن القلوب ،وفى وقت الرخاء والسعادة والفرح، تُضفى المحبة على القلوب لسمات حانية،وفى وقت رتابة الحياة وتكرار نمطها، تُميط المحبة عن القلوب سآمة الحياة برَوحها.
و«أعلن» حُبَّك فى هذا الفضاء الذى لوَّثته الكراهية والبغضاء لعلك تُسهم فى تنقيته، فإن ربَّ العزة الودود تبارك وتعالى سمي نفسه ودا أي محبا لعباده.
ومن اللطايف أن مهمة جبريل عليه السلام العظمى هى الوحى وإيصال كلام الله إلى أنبيائه ورسله عليهم السلام، والإعلان عن محبة الله لعباده فكأن تكليف الله تعالى له بالإعلان عن حبه تعالى لعبد من عبيده فيه ملمح يشير إلى أن المحبة هى رُوح تَلقِّى أنوار الوحى، وجبريل عليه السلام هو من صحب النبى ﷺ فى معراجه إلى العالم الأعلى، فكأن تكليفه بإعلان الحُب يُلمح إلى أن الحب هو معراج الأرواح.
ففي الصحيحين عن النبي ﷺ: قال «إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحببْه فيحبه جبريل، فينادى جبريل فى أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول فى الأرض». رواه البخارى ومسلم.
والمصارحة بالمحبة مما يزيد أواصر المحبة ،ويوثق عري الترابط بين الناس.
‏ومن نصائح الصالحين الحكماء:- اذا أحببت شخصاً فأخبره ليعلم وكررها ليطمئن وإعمل بها ليُوقِن
وليس من العيب أو الحرام، أن تخبر من تحب بأنك تحبه، فإن ذلك إنما يزيد المودة بين الناس، وهو ما أكدت عليه الشريعة الغراء.كما روي عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه)،
وهذه الطريقة تفتح بابًا كبيرًا لأنهار من الحب المتبادل وتنبي جسورا للتواصل.
وماذا يضيرك لو ‏أخبرت من تحب أنك تُحبه و أنه أفضل شخص بالعالم و الأجمل، أخبره أنهُ الجميع و أنك ترى من خلاله نافذة الحياة المُطلة على كُل حقائق أُمنياتك، قُل لمن تُحب كل ما تشعر به.
‏إذا شئتَ أن تلقى المحاسنَ كلها
ففي وجهِ من تهوى جميعُ المحاسنِ
لا تدع شخصًا ينام و بداخله ألف سؤال وسؤال ، هل لم يعُد يحبني؟ أم أنني لستُ لهُ كافيًا؟ أُقتل تساؤلاته بكلمة منك واقطع حبائل الشيطان بإعلان حبك له.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : ( أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا . فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعْلَمْتَهُ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : أَعْلِمْهُ . قَالَ : فَلَحِقَهُ فَقَالَ : إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ . فَقَالَ : أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ) رواه أبو داود وفي بعض روايات الحديث: ( أعلمه فإنه أثبت للمودة بينكما ) رواه ابن أبي الدنيا.
ويؤخذ من الحديث ما في هذه الكلمة من إلقاء المحبة في قلبه ؛ لأن الإنسان إذا علم أنك تحبه أحبك ، مع أن القلوب لها تعارف وتآلف وإن لم تنطق الألسن
إن القلوب لأجناد مجندة
قول النبي فمن ذا في يختلف؟!
فما تعارف منها فهو مؤتلف
وما تناكر منها فهو مختلف
وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام :
( الأرواح جنود مجندة ، ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ) .
لكن إذا عبر الإنسان بلسانه فإن هذا يزيده محبة في القلب .
وعن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليبين له ، فإنه خير في الألفة ، وأبقى في المودة ) رواه وكيع في ” الزهد بسند صحيح عن علي بن الحسين مرفوعا .
قال المناوي رحمه الله :
“(فليخبره أنه يحبه لله)
فليخبره بمحبته له ندبا ، بأن يقول له إني أحبك لله . أي : لا لغيره من إحسان أو غيره ، فإنه أبقى للألفة ، وأثبت للمودة ، وبه يتزايد الحب ويتضاعف ، وتجتمع الكلمة ، وينتظم الشمل بين المسلمين ، وتزول المفاسد والضغائن . وهذا من محاسن الشريعة” .
“فيض القدير” (1/319)
والحب هو طريق المعيَّة، فإن ثقلت عليك حتمية الفراق ففى الحب سرٌّ من معيَّة المحبوب لا تقوم أمام عظمته حتمية الموت.
الحب هو إكسير المعيَّة الذى يطوى على بساطه فوارق المقامات والمراتب فى الدنيا والآخرة، قال سيد الأحبة وقبلة العُشَّاق فى مواكب الأشواق صلى الله عليه وآله وسلم: (أنت مع من أحببت)
ولا تلتفتوا إلى وسوسة إمام الكراهية، ولا إلى ما تُردده الأمَّارة بالسوء من أوهامٍ تصرفنا عن إعلان الحب بذريعة أن الحديث عن الحب ما هو إلا رفاهية لا يتسع لمثالياتها واقع الأمة الملطخ بالدماء والملوث بالكراهية والموبوء بالظلم؛ فإنه لم يبق لعلاج هذا الواقع المريض سوى إكسير الحُب.
قم وأخبر من تحب بمحبتك إياه،
الآن اتصل به وبُثَّه صفو الوداد،
بادر ولا تتردد.قم الآن قبل فوات الأوان ،قبل هجوم الموت . أخبر أمك بالحب وأصرخ في الآفاق
أماه، أحبكِ ولا أجد شافعاً لتقصيرى فى بِرِّكِ سوى هذا الحب، قل أبتاه، أحبكَ ولا أجد شافعاً لتقصيرى فى بِرِّكَ سوى هذا الحب،أعلن الحب لزوجتك وقل لها:- أحبكِ فسامحينى إن كنت بخيلاً فى التعبير عن هذا الحب.
قل أصدقائي أحبابي لا أملك لكم سوي الحب والدعاء
لقد سمعنا بأوصاف لكم كَمُلَتْ
فَسَرَّنا ما سمعناه و أحيانا
من قبل رؤيتكم نلنا محبتكم
و الأذن تعشق قبل العين أحيانا
إخوتى وأقاربى وأصحابى، أحبكم.وان غبتم عن العين فأنتم في القلب.
قال هرم بن حيان لأويس القرني :- صلنا بالزيارة واللقاء فقال له: وصلتك بما هو أنفع لك وهو الدعاء بظاهر الغيب .
إن التباعد لايضر
إذا تقاربت القلوب
ويا من يقرأ هذه العبارات ممن حجب الله عنه أكثر عيوبى اعلم اني أحبك.
ومما يدل علي أهمية الإعلان عن الحب في إيقاد جذوة الحب ما ورد عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخذ بيده وقال: (يا معاذ! والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ لا تدَعَنَّ في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) رواه أبو داود، وفي إحدى روايات الحديث ـ كما عند البخاري في “الأدب المفرد”: أن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ ردَّ على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائلا: (وأنا والله أحبك).
قال ابن تيمية: “وكان معاذ ـ رضي الله عنه ـ من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمنزلة علية، فإنه قال له: (يا معاذ! والله إني لأحبك)، وكان يردفه وراءه ).
لا شك أن حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمعاذ ـ رضي الله عنه ـ وإخباره بذلك فيه فضيلة عظيمة له، غير أنه ـ رضي الله عنه ـ لم يُخْتص بهذه الفضيلة دون باقي الصحابة، فقد ورد تصريح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإخباره لبعض الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ بمحبته لهم على وجه الخصوص أو العموم، والأمثلة في ذلك كثيرة، منها :
محبة الأنصار جميعا :
عقد الإمام البخاري في صحيحه بابا قال فيه: ” باب قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للأنصار: (أنتم أحب الناس إليَّ)، ثم ساق الحديث بسنده عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: (رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ النّساء والصبيان مقبلين قال: ـ حسبت أنه قال: من عُرْس ـ فقام النبي ـ صلى الله عليه ـ وسلم مُمْثِلًا (قائما منتصبا)،فقال: اللهم أنتم من أحب الناس إليَّ ، قالها ثلاث مرات).
كما أعلن محبته لأبي بكر، وعمر، وأم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنهم ـ :
وقد سأل عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (أي الناس أحب إليك؟، قال: عائشة، قلتُ: فمِنَ الرجال؟، قال: أبوها، قلت: ثم مَنْ؟، قال: ثم عمر بن الخطاب، فعدَّ رجالا) رواه البخاري .
كما أعلن حبه للحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ :
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في الحسن: (اللهم! إني أحبُّه، فأحبَّه وأحبِبْ من يُحبُّه) رواه البخاري، وقال في الحسن والحسين: (اللهم إني أُحبهما، فَأَحِبَّهُمَا، وأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا) رواه الترمذي.
وأعلن محبته لزيد بن حارثة ، وابنه أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ :
عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَال عن زيد بن حارثة وابنه أسامة : (إِنْ كانَ مِنْ أَحَبِّ الناسِ إلَيَّ (يعني: زيداً)، وإِن هذا (يعني: أسامة) لمِنْ أَحَبِّ النَّاس إِلَيَّ بعده) رواه البخاري.
لقد جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنور الذي أضاء العالم، وأعطى للبشرية مثالا راقياً في التربية والقيادة بمنهج الحب، بين المُرَبِي والمُرَبَّى، والقائد والجندي، والصاحب وصاحبه، والمتأمل في سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرى ذلك واضحا جليا، وقد فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك مع بعض أصحابه ـ ومنهم معاذ ـ رضي الله عنه ـ ليعطينا القدوة في ذلك.
فهيا تحنعلن الحب في الآفاق حتي نبني جسور الود والتواصل بين الناس،هيا نتهادي الحب غيبا بالدعاء،حتي تصفوا النفوس ويسود الحب.
‏وإذا رفعت يدي لأطلب حاجة
طلب اللسان بأن نكون جميعاً
وإياك أن تغتر بقول الشاعر الغاوي:
لا تظهرن مودة لحبيب
فتري بعينك منه كل عجيب
أظهرت يوما للحبيب مودتي
فلقيت من هجرانه بنصيب
فبعض الشعراء يتبعهم الغاوون وهم في كل واد يهيمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى