كأَنَّا لَمْ نولَدْ مِنْ قَبْلُ

شعر: معين شلبية

مِنْ أُوَارِ التَّوَجُّسِ
مِنَ استغاثَةِ القَلبِ
مِنْ تلفُّتِ الرُّوْحِ إِلى ناحيةٍ مِنْ نواحِي العَدَم
مِنْ عطشٍ يَعُضُّ شِفاهي
ومِنْ ظَلامٍ كاملِ التَّكوينِ
مِنْ حاضِرٍ يُجرِّدُني مِنْ سِياجِ الكَلامِ
ومِنْ غَدٍ يُهَدْهِدُ صوتَ النَّدَم؛
وحيداً على شاطئِ البحرِ أَجلسُ
فَفِي الأَرضِ متَّسَعٌ للجُلوسِ؛
كأَنَّ القلبَ مكسورٌ ومهجورٌ على بَوَّابَةِ المنفى
مشطورٌ ما بينَ القُدْسِ والشَّامِ
وما تبقَّى مِنْ حُطامي؛
أَجلسُ فَفِي البَدْءِ كانَ الجُلُوسُ
وكانَ البحرُ هَدْيَ الرُّوْحِ مُذْ غابَ النَّشيدُ
مرَّ الجلوسُ سريعاً مثلَ بارقَةٍ
قلتُ انتظرْ
لَعَلَّ وقوفاً أَمامَ شواطئِ المَرجانِ يُسعِفُني
وَيَأْخُذُني مِنَ الهَباءِ إِلى الزَّهَاءِ المقدسيِّ
لكنِّي تعبتُ مِنَ الوقوفِ
كزائِرٍ أَمْلَى على الأَطلالِ دهشَتَهُ
تراودُني بما مَلَكَتْ يداها
كأَنَّنا زوجانِ في عِلْمِ القيامةِ
كلَّما اتَّسَعَ الغيبُ فيها وارتفَع؛
ضبابٌ باذخُ التَّحليقِ فوقي
وخيالٌ يعجَزُ عمَّا كانَ يُمْكِنُ أَو يَكُون.
أَفيقُ مِنْ قلقي الضَّحيَّة
خائِراً مِنْ أَحابيلِ الغِوايَةِ
ومِنْ وَلَهِ الكتابةِ ومِنْ عَبَثٍ لا يُطال
مِنْ رحيلِ الغامضِ الكحليِّ فِيَّ
ومِنْ نَزْلَةِ الـمـُنْتَهَى
مِنَ التفاتَةِ نَفْسٍ هَشَّةٍ مِنَ الانكسارِ
ومِنَ انتعاشٍ بَعْدَ ارتعاشٍ
ومِنَ التَّلاشي فِي اتِّحادِ الآهِ فِيْ جسدينِ
يهتاجانِ كَمَثَلِ فراشةٍ فِي الضُّوءِ ترقُصُ؛
أَغيبُ مِنْ وجعي الـمُصَفَّى
سَمِحَاً مِنْ خِفَّةِ الأَسماءِ فِيْ هذا الفضاءِ القُرْمُزِيِّ
تتصاعدُ الأَسماءُ منِّي فلا أَراها
كأَنِّي سِوايَ أَو سِواها
تبحثُ عنِّي وأَبحثُ عنها
ولا أَهرُبُ منها ولا تهرُبُ منِّي
فذاكَ فَرْطُ التَّماهي بالفَناء.
رأَيتُ الرِّيحَ حائِمةً على لوحِ السَّماءِ
تَشِعُّ كإِيماءَةٍ فِيْ كتابِ الغَيبِ
وتَسْرِقُ ذاكرةَ الأَشياء
ومِنْ فَرْطِ ما التبسَ الأَمرُ عليَّ وحار
أَنهكني الحُلْمُ والانتظار؛
فتحتُ السِّتارَ على ما تبقَّى مِنْ رُؤَاي
كانتْ سُحُبٌ تَمضي تاركةً فِيْ ليلِ الصَّبوِ عذاباتي
صحتُ ليطلَعَ منِّي هذا الإِشراقُ الموغلُ بالأَشواقِ
كشرارةِ وجدٍ تَشْهَقُ مِنْ جَمْرِ الآهاتِ
لتَحْمِلَ هَوْلَ التَّأْويلِ وبَوْحَ النَّاي
لكنِّي وقبلَ وصولِ أَناي
تراءَى الصَّمتُ المشتعلُ بِظَمَإِ العشقِ
ممسوساً بالصَّوتِ المتوحِّدِ فِيْ جَوْفِ البَعثِ
رماداً كان؛
قلتُ وداعاً للبحرِ الأَبيضِ، قلتُ وداعاً للنَّايات
لكنْ لنْ تتوقَّفَ موسيقَى الكونِ
ولنْ يتوقَّفَ نَرْكِيْسُوْس عَنِ الهَذَيان
فَهَلْ أَسْتَرِقُ المَضْيَ أَماماً وهذا الأَمامُ وراء؟
وسرتُ وحدي على الطَّريقِ السَّاحليِّ
ساعةُ الرَّملِ إِيقاعٌ مِنَ الميقات
أَلمحُ وَمْضَاً وإِشارات
أَعدو تحتَ الأَمطارِ شريداً
أَصْرُخُ أَبكي، أَبكي أَصْرُخُ: منفايَ هيَ الكلمات!
كانتْ تَصْعَدُ معْ أَطيافِ النُّورِ
كانتْ توقِدُها النِّيران
لا الرُّوحُ واحدةٌ لا ولا الجسدانِ اثنان
كأَنَّا لَمْ نولدْ مِنْ قبلُ.. حتَّى الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى