الهدف هو السُّلطة في رام الله
سهيل كيوان-فلسطين
بات واضحًا أن ما تسعى إليه الحكومة الجديدة المتطرّفة هو إسقاط السُّلطة الوطنية في رام الله، وذلك من خلال الإغراق في القتل من جهة، والتوسُّع الاستيطاني والاقتحامات للمسجد الأقصى ومصادرة الأموال من جهة أخرى، وهو ليس سرًا فقد أعلنه بعض أطراف الحكومة الحالية قبيل الانتخابات الأخيرة.
بات واضحًا أنها لم تعد بحاجة إلى سلطة رام الله، فقد باتت هذه السُّلطة عاجزة عن تنفيذ المطالب الإسرائيلية التي تتعامل معها كعميلة وليس كشريكة لصنع السلام. وجود السلطة الفلسطينية على السَّاحة الدولية وبعد تنفيذها كل التزاماتها بحسب اتفاقيات أوسلو وأكثر بكثير من الاتفاقيات، بات أمرًا مزعجًا على السّاحة الدولية، ولهذا فإن التخلص منها بات ضرورة.
هذا يعني حشرها ووضعها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تواجه شعبها كقوة خادمة للاحتلال وتقوم بمهمة قتل كل من يقاوم أو تعتقله وتسلّمه، أو أن تقف إلى جانب شعبها وتواجه الاحتلال، لقد نفدت مساحات المناورة، حتى اللجوء إلى المحكمة الدولية وهو حق مشروع يدعو إلى الاحتكام وهو ما قد تقوم به دول صديقة، الأمر الذي اعتبرته إسرائيل تجاوزًا وعملا عدوانيًا.
المهم أن الاحتلال يحمّل السّلطة مسؤولية كل حادث انتقامي أو رد فعل يقوم به فلسطينيون، ويتهمها بالتحريض وتمويل الإرهاب.
ما يفعله الاحتلال الآن هو فقط القتل ثم المزيد من القتل، ومزيد من البحث و”الإبداع” في وسائل وأدوات القمع، مثل المزيد من التساهل في إطلاق النار بل وتشجيعه، واختصار وقت ترخيص الأسلحة. هذا يعني المزيد من الضحايا الفلسطينيين، ويعني القتل لمجرد الشّك بنوايا أو حتى من دون أيِّ شك، وهذا يعني أيضًا المزيد من ردود الفعل الفلسطينية، ومرة أخرى رد فعل إسرائيلي ومرّة أخرى انتقام، وحلقة دم مفرغة، ولا أفق أو نوايا لوقف هذه المجزرة المستمرة.
لكن لو نظر الشعب الإسرائيلي إلى العقود السابقة منذ قيام دولة إسرائيل ومنع إقامة دولة فلسطينية، لوصل إلى نتيجة واحدة ووحيدة وهي فشل سياسة القوة.
لقد استخْدِمت كلُّ الأساليب الممكنة من القتل والقمع والحصار والاحتلال والغارات وإعادة الاحتلال وإقامة السجون الميدانية والمجازر وقتل القيادات.
لم يمر على العرب أسوأ مما مر عليهم عام 1967 فهل استسلم الفلسطينيون؟ هل ما مر عليهم في لبنان عام 1982 أنهى قضيتهم؟ هل أنهى القضية قمع الانتفاضات وسياسة الاغتيالات وتوسيع السجون وملئها بمئات آلاف طلاب الحرِّية على مرِّ السنين؟
صحيح أن دولة فلسطينية لم تقم، وصحيح أن الشعب الفلسطيني لم ينل حريته، ولم يحقق ما أقرّته له الشرعية الدولية، ولكن أيضًا لم يهنأ شعب إسرائيل بالهدوء ولا بالحياة السّلمية، رغم كل التطبيع واتفاقيات السّلام، فالسلام يجب أن يكون مع أصحاب الوطن وليس مع غيرهم، بل إن استمرار هذه السياسة يُحرج أصحاب سياسة التطبيع أمام أنفسهم وأمام شعوبهم وأمام العالم.
هذه الحكومة بتطرُّفها الفائض منعت حتى نتنياهو من القدرة على المناورة خلال زيارته الأخيرة إلى الأردن ولقائه مع الملك عبد الله، الذي يفترض أن يكون وصيًا على المقدسات في القدس، ولو “على عينك يا تاجر”.
تراكمات الآلام لا تتبخّر، ومن الطبيعي جدًا أن يواجه كل هذا بالرّد، بغض النظر عن المحاذير والأمكنة وخيارات الرَّد.
وما دام أن هذه الحكومة لا تريد دولة واحدة للشعبين، ولا تريد دولتين للشعبين فماذا تريد؟
إذا انهارت السلطة في رام الله وتخلّت عن دورها كما تريد هذه الحكومة فما الذي سيحصل؟
ببساطة تعتقد حكومة إسرائيل الحالية بأنها قادرة على ترحيل بضعة ملايين من الفلسطينيين، أو فرض عبودية مؤبدة عليهم، وفقط بهذه الطريقة ممكن تفسير ما تفعله.
لا أمل من حكومة كهذه أن تسعى لتحقيق سلام، ولكن أيضًا لا أمل بوقف مسلسل الدماء في هذه البلاد المنكوبة.