للقدس عنوان

محمد حسين | فلسطين

هي القدس … كلمة السر لمفاتيح خزائن التاريخ ، قيثارة الملك ملكي صادق اليبوسي ، مسرى النبي محمد (ص) ، هلالا يعانق الصليب عند سقوط الغروب ، عنونا لعشق ممنوع تحت سياط الجلاد، صهيل حنين ليلي عبر حصار الحدود ، وعنونا لبوابات مثقلة بكتب التاريخ ، عند وصفها يرتجف القلم ويخونه التعبير ، مازال الحبر يئن تحت وطأة الضجر ،
أبناء المخيم مسكونون بصورتها ، يحلمون بتقبيل ترابها ، يمسحون العرق عن جبينها بمناماتهم ،
مع اقتراب موعد الحج بدا بعض الحجاج من أبناء المخيم يفكرون بتقديس حجتهم .. هناك في القدس ، كيف لا وهم العاشقون لها ،
وفي ليلة مقمرة وبعد قدوم الحجاج من الديار الحجازيه، اجتمع الجميع في بيت الحج أحمد كحول أبا ابراهيم ( الحج محمود ابو زرد أبو خالد ، الحج أحمد كحول أبو إبراهيم ، الحجه صبحه مطاوع أم خالد ، الحج محمد أبو عابد أبو السعيد ، الحجه حسنه أبو زرد أم محمد ، الحجه هند أم رشيد ، الحج حسين مفلح أبو محمد ) بدأ الجميع يتحضر لرحلة القدس وذلك لتقديس حجتهم .
– الحجه هند أم رشيد ؛ ( بكرا رايحين على القدس نقدس الحجه تبعنا … أنا مو مصدقه ايمتى يطلع الصبح عليي بدي أشوف القدس والأقصى وكنيسة القيامه… بدي أقبل ترابها هاي أرضنا وما اغلى من الأرض غير العرض …. مافي أجمل منها بالكون بدي أجيب تراب كثير من هناك علشان اعطيهم لأبناء المخيم حتى يشمو ريحته… هو في أطيب من ريحة البلاد …. و إن الله يقدرني راح أجيب شتلة زيتون أزرعها هان بالحاكورة )
– الحج ابا إبراهيم مبتسماً ( غدا إن شاء الله سننطلق يا حجاج … على بركة الله الى القدس … رحلة العمر … بعرف إنكم مبسوطين مثلي … تراب القدس غالي ، تاريخها ، شوارعها القديمه ، و اهم شي نحكل عيوننا بالاقصى والقيامة )
– الحج حسين مفلح أبا محمد ؛ (لن يكتمل الحج الا بزيارة القدس والتقديس هناك هذه مسرى النبي صلى الله عليه وسلم ، واولى القبلتين وثالث الحرمين ، غذا كما اعلمني الحج محمود ابا خالد سيكون هناك وداع لنا من أهالي المخيم )
وفي الصباح يتجمع الحجاج تحضيرا للانطلاق ليجدو كل المخيم بانتظارهم …. يحدقون بهم فالوداع صعب ، و دموع الفرح تختلط بدموع الحزن فالجميع يتوق لرؤية الأرض المقدسة ، و هذا ما يشكل لهم غصة في القلب ولكن ما باليد حيلة ، في المخيم كان المشهد غير مألوف ولا سيما انها المرة الأولى التي يغادر فيها بعض من أبناءه الى القدس ، تعالت الأصوات مطالبه الحجاج بحفنات تراب او زجاجات ماء أو حتى قطع خشبية، أي شيء من هناك ، اي شىء من القدس هكذا كانوا يصرخون . كان الحنين يفجر المكان يحيله إلى قطع متناثرة عسى ولعل تصل إحداها الى القدس ، يتوجه الحجاج الى محطة القطار التابعة للخط الحديدي الحجازي ، فالقطار ينطلق من أرض الحجاز الى حيفا .. كان ذلك إبان الاحتلال العثماني ، ولكنه الآن غير ممكن نتيجة تقسيم بلاد الشام ، … رغم أن المسافة الفاصلة كانت قريبة إلا أنها أصبحت اليوم ابعد …. وبعد طول انتظار ، سمع الجميع صوت صافرته بينما يجر خلفه سحبا من الدخان الأسود ، يقف القطار في المحطة و يصعد الحجاج ، يلوحون بأيديهم إلى أبناء المخيم بينما كانت العيون تلاحق القطار في مساره المتجه إلى الأردن ، وهناك ينزل الحجاج و يستقلون مركبات يتوجهون فيها الى القدس الحلم ،
وعند وصولهم إلى القدس و بالتحديد إلى قبة الصخرة تفقد الحجه (حسنه ابو زرد أم محمد) الوعي وتهرع إليها الحجه (صبحه مطاوع أم خالد) ترش الماء على وجهها تحاول ايقاظها ، و بعد عدة محاولات تستيقظ الحجه ام محمد ،
– الحجه ام خالد ( شو مالك ياحجه ام محمد شو صابك )
– الحجه أم محمد ( ما بعرف شعرت بفرح شديد وقلبي يخفق بسرعة بس شفت قبة الصخرة )
استمر الحجاج بزيارة الاماكن الدينيه والمواقع الأثريه بالقدس ، وحاول البعض منهم البحث عن أقرباء له هناك … وخصوصا من فلسطينيي ٤٨ ، الا أن سلطات الاحتلال كانت تمنع وصولهم إلى القدس ،
عاد الحجاج الى سوريا وعند وصولهم خرج المخيم مرة أخرى باستقبالهم في مشهد غير مسبوق ، الجميع يسأل الحجاج عن القدس واهلها وماذا احضروا معهم من هناك ، تتعالى أصوات التكبير والتهليل ،
أحد المستقبلين للحجاج ( بدي كاسة مى من القدس حتى إذا فارقت الحياة تبقى جواتي حتى يوم القيامة )
ملاحظه ؛ جرت هذه الزيارة عام ١٩٥٥…
محمد حسين كاتب فلسطيني من سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى