بعد القبلة الأولى (ثلاثة نصوص)

د.نعيم هيلانة-طبيب وشاعر سوري مقيم بكندا

1-

أضعته النص الذي كتبته لك بالأمس

لأقرأه بعد القبلة الأولى

أضعته لأن القبلة الأولى لم تحصل

لأنك خرجتِ حتى قبل أن تدخلي وألمس يدك،

وبالكاد استطعتُ لملمة بضعة كلمات،

سالت عن شفتيك كسائل بركانيّ ،

وقبل أن تغلقي الباب خلفك رأيته،

النص الذي أردت استقبالك به،

كان يعانق كعب حذائك،

أبى أن يبقى هنا تركني ليرافق أثر خطواتك

***

2-

في بيتي لا توجد مرآة،

مذ غادرت بين الأهل لا أذكر أنني اقتنيت واحدة،

لطالما كنت أخشى النظر في المرايا،

ليس خوفاً من رؤية اثار الزمن،

ولا خشية اكتشاف حقيقتي كما يحلو للبعض القول،

كل ما هنالك انها بالنسبة لي أبواب،

المرايا ابواب للذكريات،

لوجوه من رحلوا لدموعهم وابتساماتهم،

وجه والدي حين يقوم بحركات مضحكة وهو يحلق ذقنه،

وجه والدتي وهي تتذوق أحمر الشفاه قبل خروجها،

شقيقتي وهي تجرب حذاء والدتي ذا الكعب العالي،

شقيقي يرتب حدود شاربه بمقص صغير مدبب،

كلهم رحلوا وتركوا ظلالهم في المرايا،

ومنذ ذلك الحين أغلقتُها جميعاً لأدع ظلالهم في سلام،

وخشية أن أترك ظلّي هناك .كسرت كل المرايا

***

3-

سأختلي بكِ.. نعم…

سأختلي بكِ وهذا ما سأفعله

سأطفئ المصباح الوحيد في الغرفة

على الطاولة العرجاء المتّكئة إلى جانب السرير،

وأطلق همسة صغيرة على الشمعة

بجانب كأس النبيذ حتى لايتطاير الشمع السائل على الغطاء…

سأختلي بكِ وأتحسس تفاصيلك مغمض العينين،

ستتابع أصابعي تقاسيم وجهك،

حاجبيك، خديك، شفتيك….

لا تخشي شيئاً، لن أسرق قبلة،

سأتابع رسم التفاصيل على صفحة الذاكرة التي -في هذا الوقت- أضحت بيضاء كنورس ،

أتلمّس انحناءة الكتفين، ثم نهدين يتحديان لمساتي،

إلى خصر تتواثب خلاياه ما إن تحوم لمساتي حول السرّة،

اتابع نزولاً، شهقة إثر شهقة وصولاً لأصابع قدميك،

سأختلي بكِ وأترك لأصابعي رسم صورتك،

وما إن انتهي سأضيء المصباح الوحيد بجانب السرير،

ستختفين، وتبقى في مخيلتي صورة ما، -قد تكون جميلة-

عن حياةٍ طويلة استغرقت بضعة ثواني،

قبل النفس الأخير ،

على السرير بجانب المصباح الوحيد المطفأ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى