واسيني الأعرج وعبد الرزاق الربيعي و وسام العاني وجها لوجه (2)

في حلقة تكميلية ثانية استضاف برنامج “كتاب مفتوح” الذي يعدّه، ويقدّمه الشاعران عبد الرزاق الربيعي، ووسام العاني برعاية مركز حدائق الفكر للثقافة، والخدمات المفكر والروائي الجزائري  المقيم في باريس واسيني الأعرج تحت عنوان من (محطات وصفحات من مشوار العربي الأخير)، 

حيث قال: “لم يكن في ذهني، وأنا أكتب رواية (حكاية العربي الأخير)، فضح الأفكار التي يستند عليها الغرب الاستعماري، هذا الغرب الحديث الذي يعيد تنشيط نفسه، وإنما أخذت الفكرة من خلال تأمّل، وتبصّر، ومن خلال عمل أرشيفي أيضا، فبدأت اشتغل على ما ينتظرنا نحن العرب مستقبلا، ذلك أننا نعيش مرحلة معقّدة، وصعبة جدا تحتاج إلى قوة داخلية، وروحية، وتبصّرية، حتى نستطيع تجاوز هذه المطبّات الخطيرة، ويمكن ملاحظة مخاطرها مما يحدث في بلداننا العربية من تفكّك، وتشظي، خذ مثلاً ما تبقّى من العراق، وسوريا، وكلّ الدول العربية التي كان لها دور في السؤال التاريخي حول الانتقال من حالة التخلف الى حالة التقدم،  أو على الأقل حالة تسمح لها بالاستمرار تاريخياً”.

وعلى مدى أكثر من ساعتين ونصف من الحوار الحيّ والمباشر، عبر اليوتيوب، ومواقع التواصل الاجتماعي، قدّم الكاتب طروحاته، وأفكاره في كثير من القضايا الفكرية المعاصرة، متناولا واقع العالم العربي، والتحدّيات التي تستهدف وجوده إنسانيّاً، وثقافياً، مؤكّدا انتصاره على الحقد، والضغينة داخله كجزائري فقد والده على يد المستعمر الفرنسي، فيما يقيم حاليا في فرنسا، ويكتب في لغتها، ذلك أنّ” الضغينة قنبلة موقوتة إذا تُركت تتربّى داخل الإنسان، فإنّها ستنفجر فيه أولاً قبل أن تنفجر في الآخرين، لذا يجب أن يكون للإنسان زمن للحرب وزمن للسلم”كما قال مضيفاً ” إنّ الأجيال التي حاربت والدي مضت ولم تعد موجودة، وللعربي ثقافة تسمح له بالتفريق بين الآخرين، من جنرالات كانوا يستعبدون الجزائر، وبين الشخصيات الثقافية الفرنسية، وكثير منها كان يقف مع الثورة الجزائرية”

وحول النظرة التشاؤمية التي طبعت رواية (حكايةالعربي الأخير)، ذكر الكاتب واسيني الأعرج، أنه استلم الكثير من التعليقات حول النظرة التشاؤمية، أو غير المتفائلة للرواية، ولكنه يرى أن تفاؤل الكاتب يجب ألا يكون كذباً، وتزويراً للحقائق، فدور الكاتب أن يعرض اللوحة كما هي لأنه يثق في قدرة القُرّاء، وفي الناس الذين يجادلهم. وأكّد بأننا نحتاج إلى فهم شرقيّتنا في هذا العصر لنستطيع الانتقال من وضع صعب إلى وضع جيد”.

وأضاف في نفس الصدد: “رؤية الرواية تنمّ عن خوف مُضمر حول مآلات العالم العربي، فعلاقتي باللغة العربية، وبالثقافة العربية لا تسمح لي أن أنتظر انقراض العالم العربي، بل عليّ أن أقول علينا تغيير هذا المسار، وكما صدّرت في مقدمة الرواية بعبارة الدبلوماسي الأمريكي باتريك سرينغ (العربي الجيّد الوحيد هو العربي الميّت) فإن الغرب الاستعماري الحديث يريدنا أمواتاً وبلا أصوات. لذا مثل هذه الجمل يجب أن تكون محرضة لنا للبقاء أحياءً إنسانياً، وثقافياً، ومازلت أؤمن أن على الكاتب رفع صوته ليصل إلى القراء حكاماً، ومحكومين، لينتبهوا إلى خطورة الواقع العربي المحيط بنا، كما أؤمن أيضاً أن بإمكان الإنسان العربي التغيير إذا كان يعيش،ضمن بنية مجتمعية قويمة، وفي النهاية يضع الكاتب شهادته الرافضة للواقع ويمضي، وهذا ما فعله جورج أورويل في روايته (1984) التي كتبها عام 1945، فهو لم يستطع تغيير شيء، لكن على الأقل ترك بصمته، أو صرخته، ومضى”.

وأشار أيضاً إلى أن “تناول شخصية العالم الفيزيائي العربي بعقليته العبقرية، وفكره الوقّاد في الرواية، إنما هي رفض للصورة النمطية التي تروّج لها الدعاية الهوليودية عن الشخصية العربية بتأثير صهيوني”.

 وبخصوص الشركة الإنتاجية التي اقتبست فكرة الرواية في عمل تلفزيوني، أكّد واسيني الأعرج أنه قام برفع دعوى قضائية ضد الشركة عبر وكيلته الأدبية، وأنّ الموضوع الآن بيد القضاء.

 وعن اعتبار الرواية فن العولمة المركزي، كما ورد في كتاب للدكتور محمد صابر عبيد قال الأعرج “إن العولمة تقع في سياق مجتمعي، وتطبيقاتها تكون على المجتمع، لذا هذه المجتمعات الحديثة ربما لا يستوعبها الشعر، ومن هنا تكون الرواية هي الفن المركزي للعولمة، وهي مرادفة لما هو موضوعي في الحياة المجتمعية”

وعن المرأة الحاضرة في جميع كتاباته يقول الأعرج أنه يراهن كثيراً على دور المرأة في مجتمعاتنا العربية، وربما من هنا جاءت فكرة أن يكتب رواية عن الكاتبة (مي زيادة) حملت عنوان(مي ..ليالي إيزيس كوبيا) التي أمضى وقتاً طويلاً في كتابتها ليجمع الكثير من التفاصيل حول حياتها، وقد يكون أغرب ما وقف عنده هو الموقف السلبي الصادر عن كبار المثقفين آنذاك، من الذين كانوا يحضرون صالونها مثل: طه حسين والعقاد والرافعي، وخذلانهم لها عندما مرّت بظروف عصيبة، وعاصفة أدّت إلى خسارتها كل شيء تقريباً، وهذا يحيل ربما إلى مراجعة دور المثقف إنسانياً وتأثيره في مجتمعه، فما قيمة أن تكون مبدعاً وتصمت أمام جريمة ترتكب بحق إنسان؟ وتمنى إعادة الاعتبار لمي زيادة.

وفي سؤال عن إمكانية الكاتب الرجل بالولوج إلى عالم المرأة الداخلي وهو يكتب بلسان شخصية نسائية، أجاب الأعرج ” إن هذا يعتمد على عوامل تربوية بالأساس، وفي حالته كونه تربى تحت كنف امرأتين هما: جدّته، وأمّه، فإن هذا جعله يدخل في تفاصيل عالم المرأة الداخلي من خلال الإصغاء للصوت الأنثوي”

وعن اللغة التي يختارها لكتابة روايته، باعتباره يكتب باللغتين العربية، والفرنسية، أجاب الأعرج “إن الروايات التي كتببها بالفرنسية كُتبت في ظروف محدّدة، وأكّد أنّ الوضع النفسي لا يتشابه في الكتابة بكلّ اللغات حيث أن كلّ لغة تعطي جوّها النفسي، وتبدو العربية هي الأكثر طواعية في الكتابة الأدبية، وذلك يعود إلى مدياتها الفنية، والثقافية، والإنسانية، وإيقاعها الشعري، وأكّد أنه يتجنّب ترجمة رواياته المكتوبة بالفرنسية إلى العربية بنفسه.

وعن سبب تأخير طرح الجزء الثاني من رواية (كتاب الأمير) وطرح رواية (رمادة .. كائنات كوفيلاند اليتيمة) بدلاً عنها، ذكر الأعرج أن هذا يعود إلى خلاف بينه وبين وزير الثقافة الجزائري السابق حول كتابة السيناريو للجزء الأول لتحويله إلى عمل سينمائي، وهو في الحقيقة خلاف حول أهمية شخصية الأمير عبد القادر الجزائري باعتباره أباً للحركة النضالية الجزائرية وللإسلام الحقيقي المتسامح بأبعادها القيمية والإنسانية. كما أكّد الأعرج ماسونية الأمير عبد القادر لكن بصبغتها الأولية قبل هيمنة الفكر الصهيوني عليها. وفي مداخلة للشاعر عبد الرزاق الربيعي عن كون الماسونية بدأت أصلاً صهيونية، وظلت هذه الصبغة ملتصقة بها، رغم الشعارات التي رفعتها وكانت تتشدّق بها( الحرية، والإخاء والمساواة)، في أجواء يكتنفها الكثير من الغموض، والشكوك بصدق النوايا، قال الأعرج أن الماسونية، حسب ما اطلع، وقرأ لم تبدأ صهيونية، بل خرجت بموازاة الحركة الصهيونية كتيار علماني استطاع جذب كبار المفكرين العرب مثل: محمد عبده وجمال الدين الأفغاني كما يذكر، ولكن الجانب الصهيوني بدأ يتعزّز داخلها بعد عام 1948 وصاعداً. وفي تصريح خاص ببرنامج (كتاب مفتوح) أكّد الأعرج أنه سيقوم بطرح الجزء الثاني بمجرد انتهاء أزمة كورونا.

وعن فكرة عمل الأديب في السياسة، ورفضه لعرض منصب وزير في الجزائر، ذكر الأعرج أنه مع فكرة الكفاءة في التوظيف الوزاري، وأنه ليس ضد عمل الأديب في السياسة بشرط أن يتحلّى بالكفاءة المطلوبة للمسؤولية.

وعن سؤال للناقد الدكتور حاتم الصكر حول زمن الرواية وهجرة الشعراء بحماسة لكتابة الرواية وكذلك تهميش القصة القصيرة، أشار إلى أن مصطلح (زمن الرواية) الذي أطلقه الدكتور جابر عصفور يحيل إلى هيمنة عالمية لهذا الجنس الأدبي باعتباره أدباً شعبياً، ولكنه بالمقابل لا يقصي الأجناس الأخرى، فالشعر هو روح الانسان وطفولته، وذهاب الشعر هو ذهاب الإنسان. كما حذّر من كثرة الروايات الصادرة التي قد تؤدي إلى زمن موت الرواية. وبخصوص حجم الرواية أو ما يسمى بالروايات البدينة، أكّد أن الفنون جميعاً تقاس بالمقياس النوعي، وليس الكمي، لذلك، فإن الرغبة بقراءة الروايات البدينة يعتمد على قوتها الداخلية النوعية.

وفي نفس الصدد، أشار الأعرج إلى ندرة النقد الإعلامي، والصحافي في عالمنا العربي مقارنة بكثرة ما ينشر من الروايات، على خلاف ما يحدث في أوروبا حيث تعتمد الرواية في انتشارها على دعم الجانب الإعلامي بشكل كبير. أما النقد الأكاديمي، فهو ما يزال بخير، ويواكب الكثير من الناتج الأدبي لكنه للأسف يبقى حبيساً خلف جدران المكتبات الجامعية، ولا يظهر إلى خارجها. ودعا إلى وجود مؤسسات نشر تقوم بطباعة ونشر الدراسات النقدية المهمة التي تحوز على تقديرات عالية من قبل لجان الإشراف الأكاديمي.

وعن استشعاره بحركة الزمن، أكّد الأعرج أنّه يراقب ذلك من خلال حفيدتيه (علياء)، و(شام)، حيث إنهما جدّدتا رؤيته للحركة الزمنية، وأنه ما زال داخلها، ويشارك بصناعتها من خلال منتجه الأدبي، وفي النهاية لا يملك إلّا محبّة الحياة، كما يقول شاعر فرنسي (الحياة لي، وأنا لها، ولكن ما قيمة الحياة إن لم نكن لبعضنا). ودعا أن يطيل الله عمره ليحقق حلمه في الخروج إلى التقاعد ويذهب إلى غرناطة ليقيم في الحي الشعبي الذي كان يقيم فيه جدّه الأول.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى