تجليات حضور الزهراء (ع) في شخصية المرأة اليمنية

إبراهيم الهمداني | اليمن

رغم التغييب والتهميش والإقصاء والإلغاء، الذي تعرضت له شخصية سيدة النساء – فاطمة الزهراء عليها السلام – إلَّا أنها استطاعت تجاوز حاجز العزلة الذي فرضته الأنظمة الحاكمة على شخصيتها العظيمة، واحتلت مركز الصدارة في الكمال المطلق، والاقتداء الجمعي، فعلاوة على طيب منبتها وأصلها، وكونها ابنة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فقد تفردت بالسيادة على نساء العالمين، وتفوقت بكمال إيمانها وكمال طهارتها وكمال تقواها وكمال عقلهاو…….إلخ، حتى أصبحت نموذج الكمال المطلق، الذي تعالى من أي منقصة، وتنزه عن أدنى ذرة عيب أو نقص، فكانت كما شاء الله تعالى أن تكون، غاية الكمال ومنتهى الجلال.

حضرت فاطمة الزهراء في الوجدان الجمعي اليمني بقوة، وكانت نموذج الاقتداء الأول، خاصة في مجتمع المرأة اليمنية، على مدى التاريخ، ليس فقط لكونها نموذج الكمال البشري، وإنما ليقين أهل اليمن بأنها جزء من دينهم وكمال عقيدتهم وصدق إيمانهم، لذلك حضرت شخصيتها بقوة في المجتمع اليمني، على المستوى الديني والاجتماعي والثقافي، وصار الاقتداء بها، واقتفاء نهجها والسير على خطاها، جزءاً من الدين وطقساً تعبدياً روحياً، وقربة إلى الله تعالى، بموالاة ومحبة ذوي القربى من آل بيت نبيه عليهم السلام.

وقد تجلت حقيقة الاقتداء بالزهراء وصدق المحبة لها بين نساء اليمن، وفى  وقتنا الحاضر وفي ظل العدوان الاجرامي الغاشم أكثر من أي وقت مضى، حيث يمكن القول إن المرأة اليمنية أصبحت زهراء العصر، بما ارتقت في مقام الاقتداء، وما استلهمت وجسدت وتمثلت، من أخلاق وإيمان وعطاء، وتضحيات وصبر وثبات وقوة، في مواجهة الظالمين والمستكبرين، مستلهمة من قدوتها العظمى، كل تلك القيم والمبادئ والأخلاق، وقد تجلت صور الاقتداء في مواقف كبيرة صنعتها المرأة اليمنية، ومسارات حياتية أساسية عظيمة، رسمت في مجموعها أبعاد شخصية المرأة اليمنية، وطبيعة تكوينها الثقافي والفكري والمعرفي والروحي، ومنها على سبيل المثال:-

١- المسار الديني:- حيث تجلى انتصار المرأة اليمنية لدينها، قبل أن تنتقم لنفسها من أعداء الله ورسوله وآل بيته، جاعلة كل ما تقوم به لوجه الله تعالى وحده وفي سبيله، ونصرة لدينه وإعلاء لكلمته، انطلاقاً من إيمانها المطلق بأن ما أصابها ويصيبها وسيصيبها – وهي نصف المجتمع – من آلة العدوان وهجماته الوحشية، إنما هو استهداف للدين وطمس لمعالمه في المقام الأول، ومحاولة لقتل الإيمان بالدرجة الأساس، وما سوى ذلك من مبررات ومسميات وتوصيفات، ليست إلَّا ذرائع واهية، وحجج داحضة، ومزاعم كاذبة، تحاول شرعنة ذلك العدوان وتبرير ذلك الإجرام، وإخفاء حقيقة حربهم الشيطانية ضد الله تعالى، وانتقاماً من كل من آمن بالله العزيز الحميد، وكما وقفت الزهراء – عليها السلام – في خطبتها الفدكية، انتصاراً للدين، وفضحاً للغاصبين الظالمين، بما احتملوا من الإثم المبين، وخالفوا أوامر الله، وأبطلوا فرائضه، وعطلوا حدوده، كذلك وقفت زهراء العصر اليمنية، في شتى المجالات الجهادية، تقارع الظالمين المعتدين، وتفضح زيف المستكبرين، انتصاراً لدين رب العالمين.

٢- المسار الإيماني:-  الذي أثبتت فيه (زهراء العصر) صدق إيمانها، وصدق توليها، وإخلاص نيتها لله وحده، مستمدة من أنموذج الإيمان الأرقى (الزهراء عليها السلام) معاني اليقين الراسخ، ومصاديق الإيمان المطلق، والعبودية والتسليم للواحد الأحد لا سواه، ورفض ما يشركون به، وما يعبدون من دونه، من طواغيت البشر، وآلهة القوة والمال من فراعنة العصر، وما وقوف المرأة اليمنية ضد هيمنة الطغاة، ومشاريع المجرمين التي تستهدف الهوية الإيمانية، وغيرها من المشاريع التي تستهدف المجتمع عموماً والمرأة خاصة، على مستوى القيم والأخلاق والدين، إلاَّ التجسيد الواضح لذلك المسار الإيماني، الذي اختطته نهجاً، تقتفي من خلاله نهج سيدة النساء عليها السلام.

٣- المسار الفكري التوعوي:- برزت من خلاله المرأة اليمنية، رائدة في بنا الوعي المجتمعي، وحاملة لمشروع التنوير الفكري، المنطلق من ثوابت القرآن الكريم، ومخرجات الثقافة القرآنية، لتصل بذلك ما انقطع من رسالة فاطمة الزهراء – عليها السلام – وهي تقف خطيبة في مسجد أبيها صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، لتعيد بهيئتها وكلامها وحضورها، ما تلاشى في الوجدان الجمعي من حضور أبيها – رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – وتصل بمضمون نطقها وقوة حجتها، ما حاول الظالمون قطعه من حبل الشريعة، وتحيي الأثر الإيماني في النفوس، بعدما اضمحل بحب الدنيا وتولي الطغاة، وتعيد إلى الأذهان طبيعة المسار الحقيقي للدين الإسلامي، الذي أصرَّ الغاصبون على الانحراف به تبعاً لأهوائهم، محذرة المسلمين – آنذاك – والأجيال القادمة من خطورة ذلك الانحراف، ومغبة السكوت والتغاضي عنه، وفي هذا المقام تجلت عظمة دور (زهراء العصر)،

التي تبنت الثقافة القرآنية مشروعاً فكرياً توعوياً، حصنت من خلاله نفسها ومجتمعها، وشيدت أركان نهضة ثقافية واسعة، لترتقي بالوعي المجتمعي، وتعزز دورها القيادي والريادي في بناء ونهضة المجتمعات المحصنَّة من الاختراقات، والمقاومة لمشاريع التمييع والاستلاب والتغريب.

٤-المسار الجهادي:- إنه مقام العطاء والتضحيات والبذل في سبيل الله، والتجارة مع الله، الذي ضربت فيه (زهراء العصر) اليمنية أروع البطولات، وأبهى نماذج العطاء، وأسمى معاني التضحية، التي لا ترتقي إليها الأساطير، ولا تبلغها التوصيفات، مهما تنمقت كلماتها وتراصت تعابيرها، وما كل ذلك إلَّا اقتداء وتأسيا بصاحبة المقام الأعلى في العطاء، والمكانة العظمى في التضحية في سبيل الله، والصبر على المشاق واحتمال المكاره، وبذل النفس والمال والولد وكل شيئ طمعا فيما عند الله، ويقيناً بصدق وعده، وتسليما لأمره، وانقياداً لمشيئته، وإحقاقاً لكلمته، واستجابةً لدعوته،  ولهفة لجني المزيد من الأرباح، التي ضمنها في قوله تعالى:-” هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم”.

وما مواقف وتضحيات فاطمة الزهراء عليها السلام، ببعيدة عن نهج اقتداء المرأة اليمنية، التي أذهلت العالم بتضحياتها ومواقفها وصبرها ورباطة جأشها وقوة إيمانها، ويقينها بوعد الله وما عنده، فكم هي عظيمة تلك الأم التي وقفت تودع شهيدها، وتحمله السلام إلى رسول الله والإمام علي وفاطمة الزهراء والحسن والحسين عليهم صلوات ربي وسلامه أجمعين، وهي تحدثه موقنة بشهادته أمامها، مستشعرة حضوره بين يديها، مؤمنة ببقائه مستبشرا بها، وبالذين لم يلحقوا به، تخاطبه خطاب الحاضر، وتناجيه مناجاة الشاهد، وتزف إليه أصدق التهاني بالفوز العظيم. 

إنها “زهراء العصر” الأم والبنت والزوجة والأخت، التي جعلت من ضعف عاطفتها قوة، ومن حنان أمومتها وغريزة خوفها على أولادها، شجاعة واستبسالا وصمودا وإيمانا، لا تزنه الجبال ولا تبلغ مراقيه السماء، فاستحقت بذلك أن تكون المدرسة الأولى، التي تصنع الرجال الصادقين، وتربي المؤمنين المجاهدين، وتهب لله وفي سبيله الرجال الشجعان المخلصين. 

فعلى سيدة نساء الدنيا والأخرى – فاطمة البتول الزهراء – أزكى الصلوات والسلام، وأطيب التحيات، وعلى “زهراء العصر” اليمنية جزيل السلام، وهنيئا لها ما اختصها الله به من الفضل والكرامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى