قراءة في قصّة أطفال: “رحلة أبي الحروف في الأقطار العربيّة” للكاتبة فاطمة كيوان
بقلم: رفيقة عثمان
صدرت قصّة “رحلة أبي الحُروف في الأقطار العربيّة ” للكاتبة فاطمة كيوان، عن دار الهدى للطّباعة والنّشر، من رسومات الفنّانة منار الهرم؛ وساهمت في التدقيق اللّغوي لينا عثامنة وتحتوي القصّىة على ستّ وعشرين صفحة من القطع المتوسّط.
هدفت هذه القصّة التعريف على أسماء بعض الأقطار العربيّة، وذِكر بعض الآثار الهامّة في كل قطر؛ بالإضافة لذِكر وتعريف بأسماء بعض الشّعراء والكُتّاب، الّذين ينتمون لتلك الأقطار، مع تنصيص لبعض أشعارهم ومقولاتهم المشهورة؛ كذلك ذكر الأماكن والآثار الهامة التّابعة لتلك الأقطار. كما وتهدف القصّة؛ ومن الأهداف الهامّة لهذه القصّة، هو غرس وتعزيز قيمة الانتماء والهويّة في نفوس القارئ وحب الوطن، وتعزيز الحفاظ على اللّغة العربيّة، وغرسها في نفوس الأبناء. كما ورد صفحة 14 “اللّغة العربيّة وسعت كتاب اللّه لفظًا وغايةً”.
خلاصة القصّة هي: طاف أبو الحروف على بساط الرّيح بين تسعة أقطار عربيّة، مُنطلِقًا من فلسطين التّاريخيّة، من الرّامة الجليليّة، حيث التقى بالشّاعر سميح القاسم، ومن ثمّ انتقل إلى لبنان، حيث التقى بالشّاعر خليل جبران، وخليل مطر؛ فانتقل إلى سوريا والتقى بالكاتبة كوليت خوري؛ ومن ثمّ إلى عمّان – الأردن والبتراء والالتقاء بمصطفى وهبي التّل، والانتقال إلى بغداد، والالتقاء بالشّاعر بدر شاكر السّيّاب، والشّاعر احمد مطر؛ ومن ثمّ انتقل إلى مصر، وقابل الشّاعر حافظ إبراهيم، والسّؤال عن الشّاعر أحمد شوقي، ثمّ عاد إلى فلسطين (القدس – الخليل – أريحا – رام الله وزيارة ضريح درويش)؛ من هنا انتقل إلى النّاصرة، والالتقاء بالشاعر حنّا أبو حنّا، وزيارة ضريح توفيق زيّاد، وأخيرًا حطّ في الجليل؛ ليقابل الشّعراء الفلسطينيين أمثال: شكيب جهشان، وحنّا إبراهيم، وشاعر الزّجل سعود الأسدي.
قصّة ” رحلات أبي الحروف في الأقطار العربيّة” تلائم مرحلة اليافعين أكثر؛ نظرًا لاكتظاظ المعلومات الجغرافيّة والأدبيّة، بالإضافة لاستخدام الكاتبة لغة عربيّة فصيحة ذات مستوى عالٍ من الفهم، وخاصّةً فهم الأبيات الشعريّة المُرفقة. الانتقال بين الأقطار العربيّة، يتطلّب معرفة المواقع الجغرافيّة لكل قطر وقطر، ففي مرحلة اليافعين تكون لديهم معرفة مسبقة للّغة والأبيات الشّعريّة، التي اختارتها الكاتبة؛ لتكون من أبرز ما يميّز هؤلاء الأدباء.
برأيي تفتقر هذه القصّة لذكر أسماء وسيرة شاعرات عربيّات نسائيّة، لم تذكر الكاتبة سوى اسم شاعرة واحدة وهي (كوليت خوري)، ربّما لو اهتمت الكاتبة بذكر الشعرات أو الأديبات أيضًا؛ فهذا يخلق التوازن في المساواة بين الجنسين، وإبراز الشخصيّات النسائيّة للأديبات غير المعروفة في فلسطين وفي الأقطار العربيّة الأخرى.
ذكرت الكاتبة كيوان بأنّ أبا الحروف صلّى في المسجد عندما حطّ في مدينة خليل الرحمن، وكذلك صلّى في كنيسة البشارة في النّاصرة برفقة الكاتب حنّا أبو حنّا، تُرى هل قصدت الكاتبة بأن تُعرّف أبا الحروف بأنّه شخصيّة غير محدّدة، ويتحلّى بالتّسامح الدّيني؟؛ على الرّغم بأنّ شخصيّة أبي الحروف هي شخصيّة خياليّة، إلّا أن هذا التصرّف يخلق التباسًا في فهم الدّيانات عند الأبناء، واحترام الدّيانات أمر لا بُدّ منه، وليس بالضّرورة الصّلاة بمكانين مقدسين لديانتين مختلفتين، من الممكن ذكر بأنّ أبا الحروف زار المكانين المقدّسيين، وتعرّف على بعض الأشخاص هناك فقط.
قصّة رحلة أبي الحروف في الأقطار العربيّة، هي قصّة واقعيّة وتعليميّة، لمرحلة اليافعين كما ذكرتُ آنفًا؛ فاستخدمت الكاتبة تقنيّة الخيال، وتوظيف بساط الرّيح على أثر السّندباد، والتّنقل بين الأقطار العربية؛ هذه التقنيّة بالسّرد تتيح للقارئ المتعة، والتّشوّق للقراءة.
المكان في القصّة هو سيّد الموقف، ولكن الزمان غير معلوم، وكما تخلو القصّة من الصّراع والوصول إلى الذروة فيها.
لغة القصّة هي لغة عربيّة فصيحة وقويّة، تكاد تخلو من الألفاظ والمفردات العاميّة، وهي ذات حس وانتماء وطني؛ وتخلّلت أشعارًا متنوّعة أرفقتها لكل شاعر ذُكر اسمه في القصّة، اختارت بعض الأبيات المشهورة له؛ وهذا يُحسب لصالح الكاتبة.
اختارت الكاتبة كيوان عنوان القصّة “رحلات أبي الحروف في الأقطار العربيّة”، نظرًا لاسم البطل الأسطوري، مثل رحلات السّندباد، وتجواله بين الأقطار العربيّة المختلفة، لُقّب بأبي الحروف باعتباره يبحث عن اللغة العربيّة وعن الشعراء المشهورين في رفع شأنها، وتعزيز اللانتماء . رحلات أبي الحروف في الأقطار العربيّة، هذا العنوان يتّصف بالطّول، ويتكوّن من ستّ كلمات.
تصميم القصّة من النّاحية الفنيّة، تبدو الرّسومات واضحة ومُعبّرة للشّخصيّات والأماكن الأثريّة، وحجم الخط يبدو متوسّطًا، لكن تبدو الأبعاد بين السّطور في النّصوص الأدبيّة متقاربة؛ بما أنّ القصّة مناسبة لمرحلة اليافعين، حبّذا لو تمّ التّقليل من الرّسومات التجسيديّة، والتي تناسب مرحلة الطّفولة أكثر.
تعتبر قصّة “رحلات أبي الحروف في الأقطار العربيّة”، قصّة تعليميّة من الدّرجة الأولى، وتصلح لاقتنائها في مكتبات المدارس المختلفة بكافّة الأقطار العربيّة؛ كوسيلة لتنشيط الذاكرة حول أسماء الشعراء، والآثار الهامة في بعض الأقطار العربيّة.
اتمنّى للكاتبة التّوفيق، والمزيد من العطاء والإبداع.