الزمن في المجموعة القصصية (منديل الماركسي) للقاص خضير فليح الزيدي

 أ.د مصطفى لطيف عارف|  قاص وناقد عراقي

أن الزمن بمعناه المتعدد، ولاسيما عند برجسون في تصويره للزمن النفسي أي ذلك الزمن المعطى مباشرة في الوجدان، وبتركيز أكثر على مفهوم الزمن عند برتراند رسل في ربطه للوجدان بالخبرة، والذاكرة، وكذلك منظور القديس أوغسطين الذي يركز على الاختبار اللحظي، فيحدث ذلك التقارب الذي افرز المجموعة القصصية (منديل الماركسي)  عند خضير الزيدي ، إذ يشكل التذكر ملمحا بارزا، فهو أحد المقومات السياقية الرئيسة في تشكيل المجموعة القصصية التي يبدو فيها السبب المباشر في تقارب مفهوم الزمن النفسي عند برجسون من المفهوم الأدبي فيرجع إلى الاعتماد على الحالات الشعورية، والنفسية، من حيث الاقتران ليس بالوجدان المباشر، بل أيضا بالديمومة، التي يعبر عنها التتابع والتغيير، وابلغ تعبير عن ذلك كتابات فرجينيا وولف وبروست، وهنا يبدو واضحا أن المؤلف يعيد تركيب بعض الأفكار المعلن عنها في العلاقة بين القصص، ومفهوم الزمن، ويعتمد القاص على  الذاكرة والديمومة إذ تعدان الأداتين اللتين يتفق حولهما الزمن النفسي، والفلسفي للأدب، فإذا كانت الديمومة هي التدفق المستمر للزمن، فإن الذاكرة ليست سوى مستودع أو خزان للمسجلات ,والآثار الثابتة للأحداث الماضية يشبه السجلات المحفوظة في الطبقات الجيولوجية، فنراه يقول: أذكر أن هذه الحادثة الغربية حدثت في عام 2007 وفي شهر أيلول منه وفي بغداد تحديدا إذ تناقلتها صحف محلية وقنوات فضائية عدة بسرعة بالغة، كمادة منعشة للأمل، وفي ذيل قائمة الإخبار الساخنة، غيبت الأقدار المتسارعة قسرا السيد هاتف جابر عن عمله حتى غدا رقما من بين إعداد المغدورين [1],

غير أن الفكرة الرئيسة التي لم يتوسع القاص في شرحها تتمثل في تصوره حول التداخل الدينامى, إن العلاقة المتفاعلة بين الزمن ,والذات، وهو ما يفرز لنا مدى التركيز على الترابطات الزمنية التي لا يتم ترتيبها بانتظام في القصص ، مما يعنى كسر العلاقة بين السابق واللاحق، كما تكشف عنها الأحداث في الطبيعة ,لقد تم تقسيم الحيز النصي إلى عدة نصوص، كل نص يحمل اسم ظرف زمان دالا على الترتيب أو على المدة ، وقد وردت (قبل، للحظة، لبرهة، ثانية، الساعة، الآن، عندما، يوم ، منذ ، قبيل ، الليلة، حين، وقت) وهي الكلمات الأولى التي وردت في بداية كل نص, الملاحظ أن توظيـف هذه المفـردات الدالة على الظرفية الزمانية لم يكن توظيفا اعتباطيا من قبل القاص خضير الزيدي، بل إن ذلك قد أعطى للمجموعة القصصية  بناء زمنيا متداخلا متشابكا لا يقوم البتة على التسلسل الزمني الأفقي، و هذا ما تطرحه القصص  المعاصرة التي  يطرح فيها القاص  عن قصد المرجع الزمني منظما نصه القصصي لا بحسب تسلسل أحداث الحكاية بل بالاعتماد على تصور جمالي أو مذهبي يجعله يتصرف في تنظيم هذه الأحداث في نطاق نصه القصصي , فنراه يقول: ففي ساعة شؤم من أيام الصيف، تغير لون السماء عندما تدلت رسمه مثيرة لثور هائل الحجم نازلا من السماء إلى المدينة كان عبارة عن ثور بنفسجي اللون بوجه متجهم إذ تضافرت جهود غيوم راقصة مرت في غير أوانها [2].

نجد أنفسنا أمام  مدة زمنية قصيرة, و حدث مختزل جدا إلى أقصى حد، والذي يكون منطلقا لمجموعة من التداعيات, و الذكريات المتعلقة بطفولة الراوي، وموقفه من الحياة, و الناس و السلطة، غير أن هذه المدة  الزمنية القصيرة تطرح هي الأخرى بدورها زمنا أطول على مستوى الخطاب القصصي الذي يخضع لمجموع النصوص و الأحداث الجزئية المكونة للمجموعة القصصية ككـل ، بحيـث يبـدو لنـا البناء الزمني للقصص عنصرا معقدا، بحيث جعل من  القاص خضير الزيدي  أن يجسد الزمن في مجموعته القصصية  (منديل الماركسي) فنراه يقول: لكم كان منديلك الأبيض مبللا بالدمع ؟ في تلك اللحظة المتحجرة من الزمن القاسي والمكان الخشن كنت هناك حيث أنا وحدي معك دائما: وماذا تقول بعد؟ – لا شيء يستحق الكلام… إني اصمت كما الحجر والمرأة الثكلى بانتظار اللحظة الأبدية للسعادة المؤجلة ذات نهار غائم وكئيب يبعث على الحزن كالعادة ففي اليوم الذي تغادرني الكآبة أصاب بالكآبة أيضا إذ شهد ذلك النهار استمرار رشقات مطر مجنون يغمرني بحماقة الطبيعة وجنونها ولا طريق من التواصل مع بذرة ذا الحب المزعوم معها [3], والزمن المرتبط  بالشخصية المحورية  الفاعل  يقوم على استحضار البطل الماضي بواسطة الذاكرة ,و الومضة الوراثية، وهو زمن المستقبل المعاش في الحلم بنوعيه حلم النوم ,وحلم اليقظة,وعلى هذا الإحساس بنيت أحداث القصص ، فعلى أساس الزمن الداخلي هو الغالب , وتبتدئ وقائع الحدث بعملية انتقال من وضعية ,لا واعية إلى وضعية واعية الاستفاقة من الحلم، وتنتهي بعملية معاكسة ، أي الانتقال من حالة واعية إلى حالة غير واعية فنلاحظ أن الزمن الداخلي دائما يتم تقليصه على مستوى الخطاب الروائي لإفساح المجال أمام الخواطر ,وحديث النفس, والتداعيـات الحرة والذكريات، و الأحلام، فلا يتبع الزمن في هذه القصص رسما تصاعديا تتطور عبر مساره الأحداث، وتتضافر في نسج الحبكة الحديثة، والفنية فإنما يتخذ شكلا تتشابك فيه الأبعاد الزمنية الثلاث , الماضي،  والحاضر،  والمستقبل، إذ نجد البطل /الفاعل، عند تلقيه للصدمة يلجأ إلى تغييب رد الفعل الخارجي الجسماني ليحل محله النشاط النفسي المعتمد على الذاكرة التي تتراكم فيها ذكريات مشاعر الإحساس بالمحنة، يتكاثف ,زمن الديمومة أي الزمن الجاري لا زمن القياس  زمن يجري، ويتكون كما يقول برغوس هو الذي يجعل كل شيء يتكون، من اعتماد القاص على الزمن الداخلي هو الذي خلف توارد جميع أحداث المجموعة القصصية  باعتبار أن الفاعل/ القاص  يعتمد على ملفوظ القصص يعيش حالة الصدمة، والألم, ويلجأ إلى استحضار الماضي عبر الأحلام, و الذكريات لتفتيت هذا الألم، وإحلال محله اللذة، عندما يكتشف الفاعل لدخول التحدي عن طريق إثبات وجوده باللجوء إلى الماضي، والتصور المستقبلي، فيقع بذلك تجاوز للزمن الخارجي، وما يطبعه من رتابة يولدها تسلسل الأحداث السردية تسلسلا خطيا ، فالبطل /الفاعل ينطلق من الآن إلى الماضي ثم , إلى المستقبل عبر الحاضر إلى زمن ينتقل فيه الراوي بين مختلف الأبعاد الزمنية بكل حرية دون اعتبار لما قد يحدث لدى القارئ من تداخل بين الأحداث وما قد يجده من عسر في إدراك رباطها المنطقي,وفي إطار هذا الزمن الداخلي المتشابك يبرز الزمن الكائن المتصل بماضي الفاعل  البطل , و حاضــره، وما يتســم كلاهما من التأزم المرتبط بعلاقة  انفصال اللذة /الأم  الوعي /اللاوعي  كما يبرز الزمن الممكن وهو يومئ إلى المستقبل وما يمكن أن تفعله الكتابة المضادة التابعة من كيان الفاعل المثقف الذي يدرك أحقيه هذه الكتابة في تغير الوضع الكائن, ونجد القاص خضير الزيدي  يبدع في هذا الزمن، فنراه يقول:- عدت من سفر طويل ارهقني كثيرا وقفت في سفري على ابواب كثر طرقتها ولم تفتح بوجهي مثل باب حانة قديمة يغلق بوجهي واخر بابا فندق من الدرجة العاشرة ينغلق اخر الليل وباب غرفة مؤجرة في شقة للمهاجرين الغرباء لا ينفتح بعد الساعة العاشرة ليلا واخر باب مترو ينغلق بسرعةويتركني على رصيف محطة موحشة ليس فيها سوى المتسولين والغرباءمن غير ماوئ[4].

 ويعد الزمن بكل ما ينطوي عليه من إشكالات ,وتداخلات إحدى الركائز الأساسية في خلق النص القصصي  فالماضي بوصفه البنية الزمنية الأساس في القصة  يقدم الحوادث المطلوب استقدمها مجردة، ويقوم فعاليات الذاكرة باستلام هذه الحوادث على شكل مادة أولية لايصح نقلها كما هي في كيان فعل أدبي خلاق، لأن الذاكرة في استعادتها للماضي، تفلسف الأشياء,وتنظر إليها من زوايا جديدة تسهم فيها الرؤية الآنية في صياغة المستحضر، فتهدم، وتبني، وتجد التعليل، والمعاذير للأشياء السابقة,لأنها تمثل عملية كشف جديد، هذا الأفق الرؤيوي للذاكرة سينسحب حتما على الزمن أيضا,لان الذاكرة لا تستطيع الاحتفاظ بماضيها متسلسلا مرتبا تتراصف فيه الأحداث، والوقائع بحسب تدرج وقوعه فيما مضى من، فالإشكالية التي تطرحها المجموعة القصصية  تكمن في المفارقة الزمنية الحاصلة بين زمن الكتابة، وزمن التجربة مما يشي بوجود مسافة فاصلة على الدوام بين من عاش الحدث الشخصية ,ومن يسرد الحدث أي السارد وهو يتذكر الحدث.

المراجع:

[1] منديل الماركسي : خضير فليح الزيدي : 19 .

[2] منديل الماركسي :121 .

[3] م0ن : 145 .

[4] منديل الماركسي : 111 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى