أدب

من أجل قطعة أرض

بقلم: انتصار الجنابي

لملمت أغراضي الشخصية وحملت دفتر مذكراتي وحقيبة سفر صغيرة.. حملت دفتر مذكراتي كي أكتب خواطري لأنني أحب الكتابة كحبي للرسم .. كنت على يقين بأنني سوف أعود.. اللعنة على الميراث، أنا لا أريد ان أخسر أخي من أجل قطعة أرض.. لقد أعطاني أخي حفنة من النقود على أساس أنها حقي ونصيبي من التركة التي تركها لنا أبي.. لكن هو يعلم في قرارة نفسه وأنا أعلم أيضا أنها لا تساوي ربع حصتي لكن أنا لا أريد أن أخسر أخي وربما هو لا يريد أن يخسر الأرض .
عموما أخذت نصيبي والذي لا يكفي حتى سد نفقات دراستي،لكنني قد عزمت على الرحيل والالتحاق بمعهد الفنون الجميلة في رومانيا ورغم استهزاء أخي بي وأمنيتي وطموحي وميولي الفنية إلا أنني ودعته بقلب صلب وبقوة وإرادة .
سمعت عن أؤلئك المهاجرين الذين اتخذوا طريق البحر وهم يتسللون عبر البحار هربا من بلادهم بسبب الدمار والموت والجوع.
هل هم هربوا من الموت إلى الحياة إم إنهم هربوا من الموت إلى الموت .
عموما كنت حزينة لأجلهم ولكن تعاستي لم تكن أقل منهم شأنا فأنا تركت بلدي الذي عانى من الدمار ومن ويلات الحروب،لكن ربما وضعي مختلف بعض الشى لأنني نلت الشهادة الثانوية وبمعدل لا بأس به وكذلك شهادتي في معهد الفنون الجميلة، وفي جيبي أموالي التي تحفظ لي ماء وجهي وتصون كرامتي.
لكن يبقى الحرمان ويبقى العوز والحنان الذي افتقدته بعد موت والدي، لم يكن أخي الحضن الذي تمنيته فأنا أعرفه جيدا ، هو يحب المال لدرجة الجنون ولا يعرف عن الحلال والحرام ولا يمتثل إلا لإشباع رغباته الانتهازية .
عموما تركت ظلم أخي لي وودعته بقلب حزين ووجه يبتسم .
وهو أيضا ابتسم لي عندما ودعني لكن قهقه بضحكة خبيثة ليشعرني بأنني سوف أعود إلى الوطن وأنا أجر ذيل الخيبة .
أي فن وأي موهبة وأي رسم .
حسب قوله: إنها شخبطة وخربطة وخزعبلات الفن .
لم أعر لرأيه أهمية حملت حقيبتي وسافرت برا لأنني لا أريد أن أصرف فلوسي بل حاولت أن أقتصد، خرجت من العراق ووصلت إلى رومانيا برا لكن بتأشيرة سفر قانونية مؤشر عليها للدراسة.
كان همي الوحيد هو حصولي على شهادة المعهد العالي للفنون الجميلة في دولة أوربية .كنت أتمنى أن أنال الشهادة من روما بلد الفن، هناك كنت أرسم شهرة في خيالي وكان ذلك منذ الطفولة،أتخيل ليوناردو دافنشي ولوحته “الموناليزا “، ومع مايكل انجلو ولوحته “خلق آدم” .
تخيل أنني دخلت أكاديمية بولونيا أو اكاديمية فلورنسا للفنون الجميلة لكن القدر والظروف ساقتتي إلى الدراسة في رومانيا.
في السنة الأولى نجحت بدرجة جيد، وفي السنة الثانية بدرجة جيد أيضا وقد فرحت بذلك النجاح رغم الألم والتعب فقد كنت أعمل في إحدى المطاعم وأغسل الصحون في أيام العطل لأن المال الذي الذي ورثته من أبي أو بالأحرى القسمة التي قسمها لي أخي لم تسد سوى نفقات السفر ورسوم الدراسة أما الأكل والمبيت فكان علي أن أعمل حتى أوفر لقمة العيش بعز وكرامة .

لقد وصلت إلى رومانيا ومرت سنوات الدراسة بجد وسهر ومثابرة ،والمفاجأة كانت أعظم ، لمن لأخي وشقيقي .
الفشل والخيبة كان توقعه لي،لكن في بداية أمري كنت أعتقد أنني سأنجح وأعود للوطن وأنا أحمل شهادتي وهي سلاح موهبتي .
لكن لم أتصور بأنني سأعود مشهورة ولو حتي ستكون الشهرة في فصر ثقافة رومانيا بل وفي باريس وإيطاليا .
إنه قدري شاء أن أكون من المشاهير والأغنياء .
الامنية صارت شهرة والقسمة وحصة الميراث المضطهدة أصبحت غنى فاحش، كيف؟
إنه الحظ يوم كنت أرسم لوحتي وأنا أجلس على قارعة الطريق ،أحمل بيدي المتعبة ريشتي المنهكة .
في ذلك اليوم وقعت عين تلك الوكنتيسة الأوربية على لوحتى فستحسنتها وأعجبت بها ،وحينما عرضتها الكونتيسة في محل الأزياء الذي تملكه انتبه إلى اللوحة بعض المهتمين بالفن من الصحفيين والإعلاميين والفنانين فلاقت تلك اللوحة المسكينة إعجابهم فكانت سببا في شهرتي وثروتي.
لقد عدت يا أخي وشقيقي ،عدت إليك وأنا متلهف لرؤيتك ولرؤية الوطن والأهل والأصدقاء .
لا يهمني الماضي لقد ولى وقد نسبت ظلمك وسخريتك،إنك في النهاية أخي ابن أمي وأبي والمال يا أخي يذهب ويعود وتعوضه الأيام إلا أن الأخ لا يعوض .
لقد عدت يا أخي وقد نسيت الماضي وهاهي يدي وذراعي وحضني ينتظرك بفارغ الصبر، مد يدك وضعها في يدي أعلم إنك خسرت كل أملاكك وعقاراتك التي ورثتها من ابينا، لا يهمك يا أخي فمالي هو مالك كما إن كنيتي هي كنيتك ووالدي هو والدك وأمي هي أمك .

انتهت مذكراتي وخواطري حينما وصلت إلى أرض الوطن وانتهى الحزن والألم ومرارة الغربة .
إنها ولادة من جديد فتعال إلى بيتنا القديم وهو ماتبقى من ميراث أهلنا .
سبحان الله كل شيء خسرته يا أخي إلا ذلك البيت القديم كنت على وشك أن تبيعه للدائنين لولا قدومي في اللحظات الأخيرة وقبل الوقت الضائع بقليل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى