أدب

امرأة زائفة (3)

رواية من واقع الحياة الثقافية

بقلم: الشاعر أسامة الخولي
لم تكن (حياة) سوى امرأة صنعها الشيطان على عينه
واصطنعها لنفسه ليتحدي بها الرب
نفخ فيها من روحه
علمها منطق الزيف
ودربها على كل أنواع الحيل
من معسول الكلام
لتغيير الصوت تبعا للحالة النفسية لفريستها للقدرة الفائقة على الكذب وتلفيق الروايات
لطريقة المِشية
ولون الضحكة
غمزة الجفن
وخائنة عينيها وهي في حشدٍ من معجبيها
حتى الصهد الطالع من نهديها وقت القرب وحين الضمة
العيب الوحيد الذي وقع فيه الشيطان هو أنفها
إذ أنه لم يستطع التخلص من هوسه وإعجابه بشكل الحيات فجاء أنفها صغيرا بين الأفطس والمعتدل غائرا بعض الشيء في وجهها يكاد أن يختفي الحاجز الفاصل بين فتحتيه لذلك تستهلك وقتا ومساحيقا لإخفاء هذا العيب
وحين انتبه الشيطان لذلك العيب ملأ جسدها بخلايا استشعار للروائح وجعل مركزها شامة سوداء صغيرة على ظهرها لذلك هي تستطيع أن تشم رائحة ضحاياها من غرفة نومها
خلقها الشيطان ثم اعتزل
قبل اعتزاله بدقائق نفث بين نهديها وفخذيها وألقى تعويذة سرية
ثم قال لها انطلقي ولا تنسي أبدا الحد الفاصل بين #امرأة_خائفة
وامرأة زائفة
أدركت حياة أن ماضيها كحمضها النووي كجيناتها الوراثية
كخلاياها الجذعية
لا يمكن أن تتخلص منه بالطرق التقليدية لذا ألجأها ذكاؤها الشيطاني أن تغير عالمها بدلا من تغيير نفسها
أن تهرب من ضحاياها القدامى ومن مهنتها ومجتمعها القديم لضحايا جدد ومهنة جديدة ومجتمع أوسع فقررت فجأة أن تلقي بنفسها جسدا وروحا في أتون عالم الأدب والثقافة حيث المتتاقضات في أبشع صورها
من أستاذ الجامعة مرهف الحس حتى سائق التوكتوك الشاعر
ومن اليساري الثوري حتى الوسطي المنبطح
ومن اللحية التايوانية الصنع حتى لحية الأزهري الصالح
ومن رجل الأعمال الجاهز لاستغلاله إلى النصاب اللاعب بالبيضة والحجر
ومن النساء المزيفات للنساء الطاهرات
هذه القماشة العريضة والطيف الواسع بيئة مناسبة ل (حياة) لتصطاد ضحاياها خصوصا أنهم جميعا يعيشون في جزر متفرقة ويجتمع أغلبهم في صفة واضحة ظاهرة وهى الأنا المتصخمة ولذا فهي تضمن يقينا عدم اعتراف ضحيتها من هذا الوسط بهزيمته أمام زيفها
فكلهم أبوزيد الهلالي سلامة
وعنترة بن شداد
وسيزيف الذي أغضب زيوس كبير الآلهة
الأمر سهل جدا بالنسبة ل (حياة)
تتأنق وتضع مساحيقها وتحكم قناعها وتلتقط بضع صور
تنشىء حسابا على منصة الفيسبوك
وتضع صورها على غلافه
تلتقط بخلايا استشعارها فرائسها فترسل لهم طلبات للصداقة
تشرع في نشر منشورات عن البراءة والحب والضمير والتعود والفقد والأمومة والخير والحق كل منشور منهم ممهور بصورة حديثة لها بذات القناع
تضع قبل اسمها لقبا ثقافيا برّاقا وليكن روائية أو صحفية أو شاعرة أو كاتبة أو جميعهم
تغير رقم هاتفها القديم
تعلمت (حياة) من خبراتها السابقة أن تختار فرائسها بعناية وكتمان فقررت أن ترد على بعض المعلقين على منشوراتها على العام تبعا لغزيزة الصياد التي أودعها الشيطان فيها على أن ترد بكلمات شكر مقتضبة لا تخلو من ميوعة واضحة وبأدعية مختصرة لإضفاء مِسحة دينية أخلاقية على شخصيتها
حتي لا تسترعي انتباها
بينما تفتح الخاص على مصراعيه لكل عابر سبيل أو ضالٍ للطريق
نعم الأمر بالنسبة لها غير معقد ولا مكلف
ستجد من يلهثون وراء صورها وندواتها
وما أسهل أن يقع في شباكها ممول مثقف أو ممول مستغل وهي تجيد التعامل مع كليهما وتعرف كيف تمنح كل منهما مبتغاه
كل ذلك تم بهدوء وحرفية حتى التقت أدهم المنستيرلي
لكن كيف تقنع زوجها بهذا التغيير الكبير والمفاجيء في حياتها
هذا هو شاغلها الأكبر خصوصا أنه شديدة الغيرة عليها ترجح كفة الشك فيها على كفة الثقة بها
ذات ليلة شتوية وهي تضع العشاء لزوجها على المنضدة القابعة في مكانها بصالة المنزل كشيخ كسيح أبكم تعوَّد أن يرى خياناتها الهاتفية في طريقها من غرفة النوم للمطبخ أثناء غياب زوجها ولا يستطيع نطقا ولا حراكا قالت لزوجها في رقة عصبية
ما رأيك في الوسط الثقافي والأدبي ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى