أديب من فلسطين: فتحي العنزاوي

عبد السلام العابد | فلسطين

يوم الجمعة الموافق الثلاثين من شهر أيار عام ألفين وأربعة عشر، انتقلت روح الشاعر والكاتب والفنان والمربي فتحي عبد الرحيم العنزاوي إلى بارئها العظيم، عن تسعة وسبعين عاما، من البذل والعطاء والمكابدة والصبر على مشاق الحياة وأحزانها وصعوباتها، ولا سيما في سنواته الأخيرة، حيث عانى من مرض ألمّ به وأقعده، في فراشه، لكنّ أديبنا كان يقاومه بالعزيمة والإرادة والإيمان، فكان يستقبل الأصدقاء والزائرين ويحدثهم بأسلوبه الجميل، عن الثقافة والتربية والتعليم والحياة والذكريات، ويقرأ لهم بعضا من مقالاته وقصصه التربوية والاجتماعية، وقصائده الشعرية التي كان يحفظها ويقرؤها على مسامع مستمعيه، فيما تكون عيناه مغرورقتين بالدموع.
كان أديبنا المرحوم يشغل وقته بالقراءة والكتابة، والتنقل بوساطة عربة كهربائية، يقودها بنفسه، ويتجول بها في شوارع مدينة جنين التي يحبها، مستعيدا ذكريات الطفولة والشباب والكهولة، وكأنه يلقي النظرة الأخيرة ، ويودعها قبل الفراق والرحيل.
ورغم إبداعاته الأدبية والفنية المتنوعة ،وحضوره في المشهد الثقافي الفلسطيني ، ولا سيما في محافظة جنين ،إلا أن كثيراً من القراء الأعزاء والمهتمين بالشأن الثقافي لا يعرفون الأديب الفنان فتحي عبد الرحيم عنزاوي ،ولم يقرأوا له شيئاً من نتاجه الأدبي .
العنزاوي مربٍ وشاعرٌ وقاص وفنان تشكيلي ورسام كاريكاتير .ولد في قرية عنزة عام 1935م ، ولكنه استقر في مدينة جنين منذ طفولته حتى وفاته .وقد بدأ تعلقه بالقراءة والأدب والفن ،مذ كان طفلاً صغيراً، وشجعه معلموه الأوائل على المطالعة والإبداع . عمل معلماً لمادة التربية الفنية ثماني سنوات في اربد بالأردن ، واثنين وعشرين عاماً في مدرسة حطين بمدينة جنين ، إلى أن أحيل إلى التقاعد عام 1984م ، واستمر في التعليم في مدارس جنين الأهلية .
وكان يتقن العربية والانجليزية والعبرية . وذات يوم روى لي الظروف التي واكبت بداياته الأولى مع اللغة العبرية ، حيث استطاع أن يتعلمها بنفسه ودون معلم .ففي بداية الاحتلال عام 1967م سافر مع بعض أصدقائه إلى مدينة الناصرة ، وهناك لفتت انتباهه إحدى المكتبات الكبيرة فدخل إليها ، وتحادث مع صاحبها المثقف ، وعبّر له عن رغبته بشراء كتاب لتعلم اللغة العبرية ،فما كان من صاحب المكتبة إلا أن أهداه مجموعة كاملة من الكتب التي تمكنه من تعلمها . وثابر أديبنا إلى أن تمكن من إتقانها ، وقد تخرج على يديه عدد كبير من متعلمي هذه اللغة .
أصدر أديبنا المرحوم مجموعتين شعريتين هما : شموع قبل الفجر عام 1994م ،والمهزلة عام 2004م .ونشر رواية كبيرة تحت عنوان : ماذا جنيت من الرحيل ؟ وكما يشير العنوان فقد جسد في هذه الرواية الواقعية الشائقة بعضا من شقاء جزء من شعبنا آثر السلامة ، وغادر الوطن ، كي تكون فيه عبرة لمن شاء أن يعتبر . ويضيف الكاتب في مقدمته : لقد تجنبت الخوض في السياسة والحروب ، وأظهرتُ جوانب اجتماعية هامة ، تبينُ بعض ما يفقده الإنسان برحيله عن وطنه ، ليبقى فيه الإصرار على التعلق بالوطن وافتدائه . هذه الرواية حكاية الشعب الذي عانى ويعاني مما لم يكن مثله عبر كل الأزمنة ، وهو يحلم بالراحة والسلام .. والى جانب الشعر والرواية كتب أبو زياد عدداً كبيراً من القصص القصيرة والمقالات المتنوعة . وهو فنان أحب الطبيعة ،وعبر بريشته عن آمال وآلام شعبه ونظم العديد من المعارض الفنية . كما أنه خطاط ورسام كاركتير نشر بعضاً من رسوماته في الصحف الفلسطينية..
إن هذه المقالة السريعة، لا تفي هذا الأديب والفنان والتربوي حقه،إذ لا بد من قراءات متأنية وعميقة لنتاجه الثقافي والفني، من قبل القراء والدارسين، وأتمنى لو أن المؤسسات المعنية تطبع كتاباته الرائعة وتنشرها؛ لنفيَ الأديب الراحل فتحي العنزاوي بعضا من حقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى