جبر الخواطر لمسات حانية

 

 الكاتبة المغربية | بشرى بو غلال

     يعد جبر الخواطر من أعظم الأخلاق الإسلامية والتي تدل على سمو نفس صاحبها، وسلامة صدره وعظمة قلبه، كما تدل على رجاحة عقله وكرامة أصله، فجابر الخواطر هذا ذو معدن أصيل وشهامة مقدرة ورجولة مباركة قَلَّ نظيرها في زمن العجائب هذا، حتى أمست هذه الصفة الجميلة من أثمن الأخلاق وأشدها ندرة،كقطرات الماء التي يصبح في غيابها كل شيء هالك لا محالة، فقد كان الهادي الأمين مثلا يحتدى به في جبر الخواطر الكسيرة والقلوب المفطورة ،فتراه يسافر ويرتحل بين المكسورة أفئدتهم، فيضمد جراحهم بكلماته الشافية ولمساته المباركة الحانية والتي لها مفعول البسلم الشافي، سواءً أكانوا صغارا أو كبارا،  رجالا أو نساءً، فقد كان الكل يتسابق نحوه ويأوي إلى كنفه ويلتف حول شخصه الطيب الكريم والسعي إليه. 

قال الشاعر:

كم من أناس قولهم لا ينفع

                          لكنه مثل العقارب يلسع

 جبر الخواطر ذلك دأب أولي النهي 

                    وترى الجهول بكسرها يتمتع 

فاجعل كلامك بلسما فيه الشفا

                لا مشرطا يدمي القلوب ويوجع

  فجبر الخواطر من أهم الأشياء التي يجب علينا أن نلتفت إليها في سلوكياتنا ومعاملاتنا اليومية،  وذلك من خلال الأخذ بيد المكروب و رفع همته والعمل جاهدا على تهوين مصيبته وتخفيف أثرها عليه، ربما بنصيحة ينتفع بها أو صدقة تجبر كسر خاطره، وابتسامة تطيب جرح قلبه الدامي. 

  فنحن كأمة مسلمة تحت راية التوحيد، لا يليق بنا سوى التحلي بهذا الخلق النبيل والمعاملة الحسنة، نزولا عند قوله تعالى في فرقانه المبين •{ولسوف يعطيك ربك فترضى}• صدق مالك الملك والملكوت. فمن اتخذهما نهجا وسلوكا معمولا به فهو بالتأكيد شخص شهم و ذو معدن أصيل. 

فكم من أناس أحببناهم فوق الحب حبا فكافؤونا بالخذلان وفطروا قلوبنا التي كانت في سابق العهد جبرهم الوحيد ، وقبس النور المتوهج في ظلمة أفكارهم، أولئك الذين إتخذوا من قلوبنا أقمارا مبددة لعتمة أيامهم وانجلاء لضباب أنفسهم التي كادت تغرق في اليم وتلتهمها دوامات اليأس والقنوط.

  فعندما استشعروا منا جبر الخواطر كَسَرُوا أجمل ما فينا، وحطموا خواطرنا كأنهم ألد الخِصام، ربما لأن الكثير منهم يرى تحطيم الخاطر وكسره شيئا هينا، وأمرا بسيطا ،لكنه مع ذلك عظيم،  فقد يغير حياة شخص كامل ويلقي عليها بظلال الدمار ويقذفها بشظايا الإنكسار. 

  غير آبهين لحجم الخراب الذي أحدثوه بداخلك بعد أن كنت لهم ترياقا مضادا لسمية أرواحهم المنكسرة الملسوعة ، وعلاجا فعالا لجراح تلك القطع التي تنبض في منتصف صدورهم، وإكسير حياة لأرواحهم المتعبة. 

  كما جاء على لسان الشيخ الشعراوي رحمه الله وطيب ثراه، أنه لا يوجد شخص ملعون أكثر من الشخص الذي لا يؤمن بالله ورسوله ، والله عز وجل يقول: {أرآيت الذي يكذب بالدين}؟ {فذلك الذي يدع اليتيم } أي يكسر خاطره،  {ولا يحض على طعام المسكين} فذلك الذي يطرد المساكين ولا يطعمهم ولا يجبر خواطرهم. 

فقد بلغ كسر الخواطر أعلى درجات القبح والأذى لما فيه من مضرة للنفس البشرية،  ولشدة ما يسببه من دمار شامل يفوق أحدث الأسلحة الفتاكة وأعتاها قوة وجبروتا. 

  لذلك فقد اتصف جبر الخواطر بالعبادة العظيمة لما يحمله من أثر طيب على نفوس الآخرين،  وبناءً على ذلك يجب العمل به طالما أن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه،والسعي جاهدا لجبر خواطر الآخرين عن تعرضهم للأذى أو الشعور بالضيق. 

فلمجرد أن ترى الأسى والدموع وتلمح عبارات الحزن تحت ستائر النسيان في عيون من كنت لا تراهم إلا ضاحكين مستبشرين،  فهذا بحد ذاته ألم كبير يخر له القلب صريعا. 

فالحياة فأكملها لا تساوي شيئا مقابل فرحة أبنائك و زوجتك، أو إخوتك وأصدقاءك.  فكن كرسول الله وسر في الأرض جابرا للخواطر، زارعا للبسمة،  ومُلَمْلِمًا جراح الغرثى فوق أرصفة الدروب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى