وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا
د. أيمن العوامري | باحث مصري
{وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]: خلق الله -سبحانه- الملائكة أجسامًا نورانية قوية فيها ما فيها من القدرة التي ربما لا يستطيع العقل البشري إدراكها والإحاطة بها؛ إذ خلقهم المولى -عز وجل- بما يتناسب مع قربهم منه وكونهم سكان الملأ الأعلى؛ فحدِّث ولا حرج عن قدرتهم على التفكير العلمي الذي تجاوز قوانين العقل البشري، وتواصلهم الأثيري، وسفرهم عبر الأبعاد أو ربما عبر الزمان لا المكان وحده، لكن شاءت حكمته المطلقة أن يكونوا عبادًا مسيرين لا يعرفون إلا الطاعة وعبادة الله والانقياد لأوامره، لا يعرفون العصيان أو التمرد أو الثورة ولا تعتري نفوسهم النورانية عوارض القصور والظلامية…
وخلق الله -تقدست أسماؤه- الجان دون الملائكة قدرة وعلمًا وإمكانات ومعارف، لكنهم يملكون قدرات عجيبة خارقة تحار فيها عقولنا المحدودة، لكنهم يختلفون عن الملائكة في كونهم مخيرين، لهم إرادة مطلقة في الإيمان والكفر والعصيان، وعلى الرغم من سبقهم آدم إلى الوجود، فإنهم غير مقصودين باستخلاف، وليس لهم شرائع، إلا ما أتى بني الإنسان، فإنهم لأمره تبع، بيد أن قوتهم وإمكاناتهم مع العلم والاختيار جعلتهم أكثر تمردًا وعصيانًا…
ثم خلق الله -جل شأنه- الإنسان (الخليفة) ضعيفًا تعتريه مظاهر النقص وعوارضه في كل أحواله؛ فمنذ مولده يخرج إلى الدنيا ضعيفًا هينًا لا يعلم شيئًا ولا يقدر على شيء، كله مناقص؛ بدءًا من الحاجة إلى الطعام والشراب، ومرورًا بالأمراض والعلل، وما يعرض له من نوم وضعف وتناسل وهشاشة بنية وقوانين عقل قاصرة محدودة، إلى الهرم والشيخوخة والانتكاس… إن كل أحوال الإنسان وما يعرض له من ضعف ونقص كل أولئك جديرات بأن يبحث ويفتش عن معين رب كبير كريم قادر عظيم الشأن، يهبه القوة والحكمة ويسد حوائجه ويستر عيوبه وبوائقه، ويهديه في ظلمات الحياة الدنيا بنوره وهدايته وعلمه، ويأخذ بيده إلى طريق النجاة في الدنيا والآخرة…
إن الضعف الإنساني مقصود؛ كي يتضافر مع العقل والعلم والوحي؛ فيصل بالبشر إلى نور الحق وطريق السعادة والإيمان الهادي إلى ملك الملوك سبحانه وتعالى… وإني أعجب من إنسان ينكر وجود خالقه العظيم مع ما توافر له من الآيات في نفسه وفي الكون، وما بلغه من الوحي والرسالات، وما منحه الله من عقل تحكمه قوانين السبب والمسبب، والمقدمة والنتائج… وغير ذلك مما يهدي إلى الحق ويوصل الحائرين إلى النور واليقين…
ولنا أن نتخيل الإنسان وقد خُلِق بقدرات غير متناهية؛ من قدرة على الطيران، والغوص في البحار، وحمل الجبال، وقوة بدنية أشد من الحديد وأقسى، ولا تعتريه الشيخوخة أو النوم أو المرض؛ فهل مثل هذا الكائن يشعر بالافتقار إلى معبود يسلمه قياده، ويلقي عليه توكله واعتماده وجميع أمره!
وعلينا أن ندرك أن هذا الضعف الإنساني والقصور هو من ناحية أخرى من ألوان الابتلاء التي تجعل الإنسان يتعثر في مسيرته الدنيوية، وتنغص عليه عيشه وتكدر عليه أمره؛ فيكون عيشه كدًّا وعبادته مشقة وطاعته فيها ما فيها من العنت والتعب، وهو في أمره كله يحتاج إلى الصبر والتصبر…