يا متضرري العالم من العنصرية اتحدوا
هادي زاهر | فلسطين
قد لا يختلف تعريف العنصرية من مكان إلى أخر، وهي نرجسية جماعية إذا جاز لنا التعبير، توحد مجموعة بشرية تشعر بسموها عن الآخرين لتندفع في ممارساتها إلى الأمام بدون فرامل، تدهس كل من يأتي أمامها دون أي اعتبار إنساني معتبرة بأن من حقها السيطرة على الآخرين والتلاعب بمقدراتهم، والسلطات التي تنتهج العنصرية لا تستثني من خدمها بعد أن تنتهي مهمته، وتعتبره في قرارة نفسها أسوأ من عدوها وهي تطحنه إذا شعرت بان معنوياته قد ارتفعت.
تنص القوانين التي تخدمها بشكل محدد، وتحاكم محاكمها على من ارتكب مخالفة ولا ينتمي لمجموعتها ضعفًا أو أكثر مما تحكم على من ينتمي لمجموعتها، كان هذا هنا قبل قانون القومية، فكيف سيكون بعده؟ وكانت جمعية “عدالة” اجرت بحثا يثبت ما نذهب إليه.
واضح بأن هذه البدلة تُلبس كل مكان يمارس العنصرية، من هنا نقول أن العنصرية لا تتجزأ ومن الواجب التصدي لها بكل قوة لأنها ككرة الثلج المتدحرجة تكبر كلما واصلت تدحرجها.
في بلادنا تمارس العنصرية ضد أصحاب الأرض وفي أمريكا ضد أصحاب البشرة السوداء، وفي هذا السياق أتذكر قولًا مأثورًا ل مارتن لوتر كنغ:
” الظلم في مكان ما يمثل تهديدًا للعدل في كل مكان”
ونضيف بأن ظلم الولايات المتحدة لشعوب العالم قاطبة والتي تقتل في كل مكان ولا تمتثل للقرارات الدولية وتمنح ما ليس لها لمن تريد وتفرض الحصار على الشعوب وتمنع مرور المواد الغذائية والطبية، شجع الجريمة على نطاق الكرة الأرضية كلها.
ولو عندنا لممارسات السلطات القضائية في بلادنا تجد مثلا أنه عندما يقتل مواطن يهودي مواطنا عربيًا تستبق السلطات الحكم وتوفر للقاتل شهادة طبية تشير بأن القاتل يعاني من اضطرابات نفسية لا تؤهله للمثول أمام المحكمة، كما حدث مع سائق الشاحنة اليهودي الذي قتل الجندي الدرزي فؤاد قزل من قرية المغار، والذي يخدم في جيش احتلالها، ولو كان القاتل مضطربا نفسيا كان يجب ان يمنع من أن يقود شاحنة وفقًا للقانون، وهكذا وكما يقول مثلنا الشعبي ما في عند المحتلين “لحية ممشطة” والكلام المعسول ما هو إلا طبطبة على أكتاف البسطاء، والامثلة كثيرة.
وقبل أن تقفز إلى الولايات المتحدة نحن نلاحظ بأن المتورط في قضايا الفساد يعزز العنصرية في نفوس شعبه للتغطية على الموبقات التي ارتكبها، ونتنياهو خير برهان على ذلك، كما أننا نلاحظ ومن خلال مجالات عملنا بينهم مدى العنصرية المتفشية بينهم خاصة عندما تكون هناك طوشة بين العرب، نسمعهم يقولون ” دع أحدهما يقتل الآخر””
طبعا “إن خلت بلت” هناك قوى ديمقراطية في البلاد ولكن صوتها الهادر يبقى خافتًا، ذلك بسبب تفشي العنصرية المهيمنة على الأجواء، من هذه الأصوات النقية صوت زعيم الحزب الشيوعي السابق ” ماير فلنر” الذي طعن في ظهره في محاولة لاغتياله، وصوت البروفيسور زئيف شطيرنهيل الذي فارقنا قبل أيام، وكان (مجهولون) قد ألقوا قنبلة على بيته، وصوت الكاتب العبري التقدمي حايم هليفي، وكنت قد اقترحت على مترجم الكتاب الكاتب أمين خير الدين قبل صدور الكتاب تسمية الكتاب ” عارنا في فلسطين ” على وزن ” عارنا في الجزائر ل “جان بول سارتر ” إلا أن المترجم أعلمني بأن الكاتب حايم قرر غير ذلك، وصوت البروفيسور يهودا شنهار أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في جامعة تل أبيب ومعهد لير في القدس والذي يقول:
“نحن لا نحب أن نفكر عن أنفسنا أننا عنصريون وأن العنصرية هي جزء لا يتجزأ من حياتنا”
لا نريد أن نطيل مكوثنا هنا و” نطير” إلى الولايات المتحدة حيث ما زالت المظاهرات مستمرة بعد مقتل جورج فلويد الذي كان القشة التي قصمت ظهر الجمل، وهنا لا نستطيع إلا أن نعود إلى العظيم ” مارتن لوثر كنغ زعيم السود (1968 –1929) الذي استطاع بعمره القصير أن يشحن المضطهدين ذوي البشرة السمراء وغيرهم بالعزيمة والجاهزية النضالية، لم يشأ مارتن أن يحارب العنصرية بالعنصرية وقد حاول الرئيس ليندون جكسون شراء صمته ضد الحرب الإجرامية على فيتنام ، إلا أنه رفض كل الاغراءات، وقد حدد موقفه هذا في “خطبة الحلم” الشهيرة، فبعد عدة محاولات لاغتياله أدرك بأن نهايته قد اقتربت من هنا أراد ان يودع أنصاره فقال في خطبته:
“لا تقولوا باني حصلت على عشرات جوائز، منها جائزة ” نوبل” قولوا بأن مارتن سعى إلى تكريس حياته لخدمة الاخرين، وقد حاولت أن اطعم الجائع وان اكسوا العريان”
يبدو بانه كان نادما على قبوله جائزة نوبل والتي سيطر على لجنة التحكيم فيها عدد من العنصريين، ويكفي أن نشير بأن الشاعر العبري العنصري”شموئيل يوسف عجنون حاز على هذه الجائزة مع عدد قليل من الكتب، في حين أن عميد الأدب العربي طه حسين رُشح لنفس الجائزة في نفس العام ورفض؟!! وقد حاز عليها الإرهابي مناحم بيغن احد ابطال مجزرة قرية دير ياسين وغيرها؟!!
ومن ضمن الجوائز التي حاز عليها مارتن جائزة “نهرو” أول رئيس وزراء للهند بعد استقلالها، وهنا يلتقي قول مارتن” ” الظلم في مكان ما يمثل تهديدًا للعدل في كل مكان” مع قول غاندي العظيم:
“أعتبر نفسي مسولًا عما في الدنيا من مساوئ ما لم احاربها”
واخيرا، لقد امتدت المظاهرات المعادية للعنصرية عواصم الدول المتنفذة وتم إنزال تماثيل ورموز العنصرية في عواصم ومدن كثيرة من العالم، وماذا عندنا، هل كانت هناك محاولات لمحاربة العنصرية بالزخم المطلوب، هل تم إيجاد صيغة لربط محاربة العنصرية في أمريكا والدول الأخرى مع محاربة العنصرية في إسرائيل التي تزداد يوميا وتتسرب إلى كل المنافذ الحياتية، هل نسَقت قيادة شعبنا الفلسطيني مع قادة المظاهرات في العالم لمواجهة الغطرسة والعدوان والضم الذي يريد الاحتلال تنفيذه؟.