الذكاء الاصطناعي والريف… مُقاربة المستقبل القريب!
د. محمد عرابي | أكاديمي مصري
لم يكن ممكناً أن نتجاوز – نحن الباحثين في علوم الاجتماع التنموي- أحد أهم مستجدات العصر، بل ومتطلباته القريبة جداً، والتي مامن شك أنها تمثل ثورة تقنية قد تصبغ العالم كله قريباً جداً، وأعني هنا مصطلحات إنترنت الأشياء (Internet Of Things) والذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence )، اللذَين أصبحا الأكثر انتشاراً وتطبيقاً في غالب مناحي الحياة، وليس ببعيد أن تغلب تطبيقات الذكاء الاصطناعي- قريباً جداً- على مختلف مجالات الحياة في شتى بقاع الأرض، ريفها وحضرها، مدنها وقراها، ومن هنا كانت الحاجة للبدء في دراسات سوسيولوجية للتأثيرات الواقعة والمحتملة للتقدم التقني الهائل، حيث إن الدراسات التقليدية للظواهر الاجتماعية لم تعد كافية لاستيعاب المستجدات الحادثة يومياً في عالم اليوم، بل إن الباحثين الاجتماعيين في العالم تتحول أدواتهم البحثية يومياً لتواكب ظواهر اليوم، الأمر الذي يسترعي اهتمام الجميع لتطوير أدواتهم وقدراتهم ومهاراتهم البحثية لهكذا مستجدات.، ولعل الذكاء الاصطناعي بمفهومه المبسط هو” سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها منها القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة من قبل” إلا أنَّ هذا المصطلح جدلي لحد كبير؛ نظراً لعدم توفر تعريف محدد للذكاء Intelligence وهو ما يدعونا للتساؤل: كيف يمكن لذكاء الآلة أن يغير المجتمعات الريفية التقليدية؟ وهل من الممكن أن يحدث ذلك بشكل ثوري – كما هو متوقع- بما يجعلنا نغير نظرتنا الحالية تغييراً كلياً للريف المعاصر؟ وهنا يأتي دور السوسيولوجيا، التي تعمل أساساً في تفسير الظواهر الحالية وتتنبأ وفق أساليب علمية بما هو قادم، وللذكاء الاصطناعي أثار متوقعة تظهر بين الحين والآخر بين كتابات السوسيوليجيين، إذ يُتَوقع أثاراً مذهلة على الصعيد الاجتماعي لتحول الحياة الاجتماعية مما هي عليه الآن لما يسمى بالحياة الذكية Smart Life والتي تعتمد على الآلة كلياً، فتجد الطباخ الآلي، التلفاز الذكي، “المكنسة” الذكية، وغيرها من الأدوات المنزلية التي سوف تصبح قريباً متوافرة وبأسعار تتيحها للريفيين بسهولة ويسر، ويبقى التساؤل قائماً: هل للذكاء الاصطناعي قدرة على تغيير العادات الاجتماعية في الريف المصري مثلاً؟ وتأتي الإجابة باستدعاء الصورة الذهنية للتعازي والتهانئ الكلاسيكية بالزيارات المباشرة التي لم يكن منها بدٌ مهما كان الظرف، والتي تجدها قد بدأت في التلاشي شيئاً فشيئاً نتيجة التوسع في اعتمادية وسائل التواصل الاجتماعي في العزاء والتهاني، وهو ماكان قريباً جداً غير معقول، إذ كان من اللازم الحتمي الزيارة المباشرة لهكذا مناسبات اجتماعية مهمة جداً في الريف المصري، بل وكان من العار التخلي عنها أو التخاذل فيها، فتجد الأمر بدا مقبولاً – ولو بشكل نسبي- أن يكتفي صاحب العزاء بنشر منشور على Facebook أو حتى مجرد تعليق أحيانا!! الأمر الذي يجعلنا نتوقع تطوراً أكبر وتزايداً في مساحات التنازل الاجتماعي قريباً لصالح الآلة بديلاً للعلاقات الاجتماعية المباشرة، وهنا وجبت الدعوة للتهيؤ من الجميع تقبل العديد من التنازلات الاجتماعية بل والتغيرات الثورية في العلاقات الاجتماعية بل والمراكز الاجتماعية التي ستصبح قريباً جداً مبينية على انترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، وكل ما يتمناه علماء الاجتماع هو محاولة مسايرة الديناميكية الحادثة في المجتمع مع الحفاظ ولو بشكل نسبي على كيان المجتمع دون تدهور في العادات الصحيحة من الأعراف والمعتقدات الاجتماعية التي تعطي الشكل المميز لمجتمعنا الريفي، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً في الفترة القريبة القادمة.