وزوز وظل الشيخ
أمين دراوشة | فلسطين
يتمدد وزوز على كرسي الطبيب النفسي، يطفئ الطبيب الضوء، ويشعل ضوءا عنابيا خافتا، ويضغط على زر التسجيل، بعد أن أطلق العنان لموسيقى هادئة من جهاز الغرامفون.
قال للمريض:
– هات ما عندك؟
– من أين أبدأ؟
– لك الخيار.
– عندما كنت طفلا، وقارب موعد تسجيلي بالمدرسة، جاءت أم الذيب لزيارتنا، وما أن رأتني حتى بلشت فيّ بوس، وتعبيط، ولم استطع ليلتها النوم من ألم الضم.
– جميل، وأيضا.
– في المدرسة اشتهيت أن تضمني مدرسة الفن، كانت بارعة الجمال كحدوتة مصرية.
– وماذا حصل؟
– في يوم من الأيام سرق شكري ساندويشتي الفلافل، وهرب. فجئت إليها أبكي، فضمتني بحنان، وعندما لامست بيدها شفتي، أحسست إني أأكل كباب.
– طيب.
– وكبرت ودخلت الجامعة، ولم أترك فتاة إلا “عبطها”.
– كاين دون جوان بزمانك.
– كنت أملك الحُسن والبهاء.
– وأين ذهب كل ذلك؟
– منذ أن بدأ الشيخ بإلقاء المحاضرات…
– الشيخ ما غيرو.
– آه.
– رائع، يقال أنه فيلسوف، ويفكر خارج الصندوق.
– إياك، إياك، أن يسمعك.
– لماذا؟
– سيكسر الصندوق فوق رأسك.
– واووو!
– تابع…
– أصبت برهاب الضم بعد أن حضرت أم الذيب إلى منامي، وهي تحمل مكشة القش، وطفقت تضربني بشدة.
– والسبب…
– قالت بأني فاشل وعانس.
– ثم تتابعت الكوابيس.
– نعم.
– ومع الأحداث الجديدة والضم والجوع، ربطت كل ذلك بسندويشة الفلافل وأم الذيب، ولكن أين معلمة الفن؟
– رحمها الله، وهي في طريقها إلى المدرسة، وكانت تحمل مجموعة من الألوان لتوزعها على الطلبة الفقراء، اصطدمت بحاجز عسكري، وقام جندي بإطلاق النار عليها بحجة إنها تحمل سكاكين…
– ورحل الحضن الحنون…
– لم أعد أطيق أن أضم أي فتاة…ما العمل؟
– كنت وسيما؟
– وما زلت.
– ما رأيك بسكرتيرة عيادتي؟
– أحسست أنها مصابة بالكورونا…
– الشر برّة وبعيد.
– منذ كم سنة لم تضم فتاة؟
– منذ نصف ساعة، هناك مريضة حنونة تظن بأني باريس الطروادي، فأخذتها بأحضاني حتى سخسخت.
– اللعنة، وما سبب مجيئك للعلاج.
– أطارد الحنونة منذ أيام خلت.
– ما هذا التفكير الأعوج؟
– هذا ما يسمى التفكير خارج الصندوق.
– لو أن الشيخ يسمعك…
نهضت كالمسروع عند سماع اسم الشيخ، ووليت هاربا، ولم أدفع الحساب..