حلم لن يتحقق.. أحاديث المخيَّم
محمد حسين | كاتب فلسطيني – سوريا
صباحات المخيم تحمل في جنباتها ضجيج ماتع، قهقهات الأطفال المرتفعة، زحام الخطوات الذاهبة والقادمة، عطر الصبايا الذي يشق صدر الأزقة، رائحة القهوة الصاعدة من النوافذ، صباح يحاول رسم خارطة مختلفة.
ماجد الشاب اليافع الجالس صباحا هو وأصدقائه على إحدى زوايا المخيم؛ يخطون النظر على المارة، يستطلعون الوجوه …. تجذب انتباهم فتاة في ريعان العمر .. فشعرها الأشقر المسدول على الكتفين كسنابل القمح تبرق بوهجها الذهبي …فتكسر عيونهم خجلا منها … نعم إنها نهى بنت المخيم همس أحدهم بصوت منخفض جدا …
ولكن ماجد ما زالت عيناه مشدودتين إلى الفتاة، شعور مختلف تماما ….. لعلها النظرة الأولى التي تسكن القلوب وتفتح أقفالها، ذات صباح كان مرتبكا وحالة التوتر تبدو جلية عليه …..لكنه واجه خجله وخوفه قليلا وعلى وقع اختلاس النظر وقعت عينها على عينه فابتسمت وهي تداعب شعرها المتهادل فوق كتفيها. وتابعت مسيرها إلى المدرسة
في الطريق تسأل نفسها ما الذي أعجبه يا ترى …؟
– هل أعجبه شعري …. ربما …..لما لا فصابون أبو مفتاحين النابلسي يجعله أكثر نعومة ويعطيه بريقا، سأذهب اليوم إلى الحجة ( مريم مطاوع أم فايز) لكي أشتري من عندها مزيدا من هذا الصابون.
تذهب نهى إلى ( الحجة أم فايز ) أثناء عودتها من المدرسة .
نهى : مرحبا يا حجه أم فايز .
أم فايز ؛ (أهلا وسهلا يما ماعاد شفتك خير ان شاء الله)
نهى؛ (والله يا حجة مشغولة بالدراسة بدي منك يا حجة صابون أبو مفتاحين النابلسي هذا من ريحة بلادي فلسطين والله يا حجه إنو منيح كثير )
الحجه أم فايز (موجود يما جبت مبارح صابون وبخور وقماش كلهن من فلسطين، بتعرفي يما الناس يلي بالأردن قربين على البلاد بجيبوا أغراض من فلسطين وأنا بس أروح للرمثا أول شي بسألهم عن الأغراض يلي من البلاد ).
نهى ؛( أعطيني كل شي صابون وبخور عندك … و أكيد أمي راح تنبسط على البخور لانو من ريحة البلاد).
الحجه ام فايز ؛ (لا يما ما بقدر أعطيك كل شي في ناس موصيني عليهن كمان الكل بدو اي غرض من فلسطين مشان يما يتذكر ريحة البلاد ، يما في (أم حاتم السعدي، وأم عوني )روحي لعندهن بلكي تلاقي عندهن، أنا المره الجاي بعمل حسابي اجيبلك كميه أكبر ، يما التهريب مشكله كبيره مشي وتعب وخطر بس شو بدي أعمل أنا أرمله وعندي أولاد لازم يعيشوا ويدرسوا بدنا يما نتحدى الظروف )
نهى ؛ (أي ماشي يا حجه الله يعطيك العافية) تاخذ نهى الأعراض وتذهب إلى البيت مسرعة، تنادي على أمها، (يما يما احزري شو جبتلك معي)
أم نهى ، ( احكي يا بنت شوقتيني )
نهى ؛( جبت بخور لك من البلاد )
أم نهى ؛( ياااه يما بدي أشعل كل فتره شوية بخور حتى تظل ريحة البلاد بانفي يما انت ما شفت البلاد انا شفتها جنه الله على الأرض )
تذهب نهى صباحا إلى المدرسة لتجد ماجد بانتظارها ، وكالعادة تتلاقى العيون بسهام الشوق و لكن دون ان يحرك ساكنا.
ذات مساء يخبر ماجد أمه عن تلك الفتاة وعن مدى إعجابه بها، و يأتي الرد صادما.
أم ماجد (يما هاى البنت من المدينه وانت من القرية أهلها ما بعطوك اهتم بدراستك).
ماجد ( يما ظل مدينه وقريه وفلاح وبدوي كلنا أولاد مخيم ).
أم ماجد ؛ (يما انت بتحكي هيك لأنك من الجيل الجديد أحنا بعدنا دقه قديمه إبن العم بنزل بنت العم عن الفرس).
تمضي الأيام والشهور ولا جديد. يكسر حاجز السكون في حياة ماجد سوى صدمات تبعثر الحلم الذي طال انتظاره…ولكن هذه المره من أحد اصدقائه و هو يوشي إليه:
(ماجد بتعرف البنت يلي بتمر كل يوم من هون بكرا عرسها).
لقد وقع الخبر عليه كالصاعقة …. أصيب بالذهول … غادر على عجل، في اليوم التالي يذهب لحضور العرس وبدا عليه علامات الحزن؛ فجاة تنزل نهى بثوب العرس يسرق نظراته اليها تلمحه، تسأل نفسها السؤال المحير لماذا لم يتحدث؟ لماذا لم يطرق بابنا؟
تمر سنوات طوال على زواجها تلتقي بماجد صدفه، ماجد بعد هذه السنوات الطوال أريد أن أسالك لماذا كنت تنظر إلي وأنا طالبه بالمدرسه دون أن تتكلم.
ماجد؛ لقد خفت أن أتحدث معك وترفضينني لأنني أنا إبن قريه وأنت بنت مدينة هكذا قالت لي أمي.
نهى: هذا شيء موجود لكن كان علينا المحاولة .
(يجب أن نقرع جدران الخزان حتى لا نموت هكذا قال غسان كنفاني) وأنت لم تدق الباب فتحطم حلمك، أتنمى لك حياة سعيدة.