شجب الضم غير رادع بدون جزاء!
المحامي إبراهيم شعبان | فلسطين
درج العقل العربي الإسلامي العشائري القبلي الغيبي السياسي على إدانة وشجب الضم الإسرائيلي المتوقع لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة، والمقترح والمبارك من الإدارة الأمريكية . ولم نسمع بالمقابل بأية خطط علمية أو دولية لمواجهة هذا الخرق القانوني الدولي والمستقر في الضمير العالمي والعرف الدولي والقانون الدولي المكتوب.
ويبدو أن استفاقة فيروس الكورونا، صرفت الأنظار مؤقتا عن قرار الضم المختلف على تفاصيله وآثاره وتبعاته وعطلته لبرهة من الوقت، انتظارا لمعالجة الموجة الثانية الكورونية الهجومية، فضلا عن الآثار العالمية المناهضة لقرار الضم الإسرائيلي. وبداية ردود أفعال أوروبية رسمية وشعبية تهدد بإجراءات عقابية ضد قرار الضم. فضلا عن مواقف عربية تدين الضم وتندد به وتهدد باتخاذ إجراءات دولية بحق الدولة العبرية إذا ما قررت المضي قدما في هذا الإجراء التعسفي غير المشروع. ولا جدل أن الموقف الفلسطيني الشعبي والرسمي قد اضاء اضواء حمراء عند المحتل الإسرائيلي وبخاصة الجيش الإسرائيلي المحتل. وخروج احتجاجات شعبية على مستوى العالم جعل من أمر الضم موضوعا متذبذبا إن رافقته جزاءات دولية.
بداية، يجب التقرير أن الضم لأراض محتلة أو مغزوة، أمر باطل ومحظور حظراً تاماً. وهذا المبدأ القانوني لا يخص الأرض الفلسطينية أو العربية المحتلتين، بل هو يشمل أي إقليم محتل في العالم أيا كان اسمه وموقعه، وأيا كان المحتل واسمه ودينه وموقعه. فهذا الأمر يصادف إجماعا في القانون الدولي العام بشقيه المكتوب والعرفي. وهو ليس اختراعاً حديثا ًبل هو أمر قديم من القرن التاسع عشر حيث توقفت وسائل اكتساب أراض الغير بغير الرضا، حيث توقفت القوة المسلحة والغزو عن اعتبارهما وسيلة مشروعة للضم الإقليمي. أي ان هذا المبدا القانوني الدولي بدا واستقر كأمر ملزم نتيجة للتغييرات السياسية في أوروبا وأمريكا اللاتينية وبخاصة تجاه دولهما الصغيرة التي تود ابتلاع جزء منه الدول الكبيرة. ولو كلف ترامب نفسه لوجد أن الرؤساء الأمريكيين قد قرروا هذا المبدأ بل قررته معاهدة مونتفيديو للإعتراف بالدول. فضلا عن إقراره من قبل المحاكم الدولية. لكن المشكلة دائما وابدا في تسييس القواعد القانونية الدولية.
دعونا نذّكر، وللذكرى فقط، أن قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر بعد حرب 1967 وغير المرتبط بالفصل السابع بل بالفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، استغرق إعداده ووضعه من قبل ممثل بريطانيا آنذاك اللورد كارادون البريطاني ( حاكم نابلس العسكري عام 1936 ) خمسة أشهر ونصف تقريبا، فقد تم تبنيه من قبل مجلس الأمن في 22/11/1967 بينما وقعت الحرب في 5/6/1967. في حين أن قرارات مجلس الأمن المتعاقبة المقترنة بالفصل السابع الخاص بالجزاءات الدولية قد اتخذت فور الغزو العراقي للكويت عام 1990. ليلاحظ القارىء كيفية التسييس، فكلا الحدثين غزو صريح، ولكن السياسة فرقت بينهما وتم التعامل معهما بمعيارين مختلفين متباينين.
منذ عام 1967 وإلى يومنا هذا درجت الإدارة الأمريكية على موقفها البراغماتي القاضي بإدارة النزاع حول القضية الفلسطينية عبر تقديم المساعدة للأونروا، دونما اي تقدم أو تقديم حل جذري ناجع، كما حصل مع نيكسون وكارتر وبوش الأب وكلينتون وأوباما. لكن الإدارة الحالية حاولت أن تحل عبر ضرب كل قواعد القانون الدولي مثل الإعتراف بضم القدس وكون القدس عاصمة لليهود وإقرار الضم لأجزاء من الضفة الغربية، وكان توجهها الوحيد نحو الصوت اليهودي ونحو إعادة انتخاب الرئيس المشكوك في شرعيته وكفاءته، أما قواعد القانون الدولي والعدالة والأمن والسلم الدوليين فإلى الجحيم وإلى حيث ألقت.
وللأسف الشديد سارت أوروبا في الركاب الأمريكي، ولم تستطع الدوران من خارج الفلك الأمريكي وبقيت اسيرة له. فقبل الإتحاد الأوروبي وبعده لم تستطع الدول الأوروبية الإستقلال عن الخط الأمريكي في حل النزاع ، بل سلمت مقاليد هذا الأمر للولايات المتحدة الأمريكية وغدت تلعب دور التابع المكتفي بمنحة مالية هنا أو هناك. وبقيت الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الأوروبية عاجزة عن التحرك ضد الموقف الإسرائيلي ما خلا البعض منها. حتى في زمن الإنتفاضة الأولى، لم تستطع الدول الأوروبية وشعوبها وأحزابها التحرر من فكرة التبعية الأوروبية للأمريكان رغم التزامهم بالقانون الدولي ومبادئه.
وساسرد عليكم حدثا وقع ايام الإنتفاضة الأولى لتعتبروا وتتعظوا، فقد كان مقدرا أن يجتمع رئيس وزراء الدانمرك الذي كان نائب الرئيس لحركة الإشتراكية الدولية الأوروبية، مع مجموعة فلسطينية في الفندق الوطني في القدس بعد عودته من زيارة قطاع غزة. لكن الضيف الأوروبي تأخر، وأخيرا ظهر بعد أن تسرب الملل وقلة الإهتمام للحاضرين. فاعتذر وأفاض في وصف المرارة والأحزان والأحداث التي يمر بها الشعب الفلسطيني على يد جيش الإحتلال الإسرائلي. وهنا عاجله أحد أفراد المجموعة بسؤال قائلا له ما دام الوضع بمثل ما تصفه فلم لا تفرضون عقوبات على الدولة الإسرائيلية حتى تلتزم بالقانون الدولي وميثاق جنيف الرابع وبرتوكول 1977. وهنا انتفض الرجل الذي كان جالسا، فوقف على قدميه قائلا وبنبرة حازمة وصارمة، إذا كنتم تتخيلون أننا سنفرض عقوبات على إسرائيل، فأنتم واهمون، نحن لا نملك سوى النصح والإرشاد للقيادات الإسرائيلية. واستطرد ليكن هذا قرطا بآذانكم وقولوه لشعبكم, هنا فض الإجتماع لا فض فوكم.
أقول هذا الكلام، بعد ما سرت إشاعات لا أحد يعلم مدى دقتها تقول أنّ هناك إمكانية فرض جزاءات أوروبية على الدولة العبرية إذا ما قررت الأخيرة ضم اي جزء من الضفة الغربية. هذا تحول نوعي في الرؤيا الأوروبية، فطيلة ثلاثة وخمسين عاما من الإحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، كانت الدول الأوروبية والإتحاد الأوروبي تشجب وتستنكر الخطوات الإسرائيلية وممارستها. حتى منتجات المستوطنات التي هي خرق خطير للقانون الدولي لم تجرؤ الدول الأوروبية ولا الإتحاد الأوروبي من حظر استيرادها، بل لم تستطع سوى وسمها وبعد تردد وبقرار من المحكمة الأوروبية لاعتبارات أخلاقية. يجب أن ننتظر فبعض الجزاءات غير رادعة وغير جديرة بالفرض، وقد تلجا أوروبا لمثل هذه جزاءات، لأن معنى الجزاء يفترض الإيلام وبخاصة أن الإتحاد الأوروبي يشكل أكبر شريك إقتصادي لإسرائيل.
ورب قائل، أن الجزاء في القانون الدولي جزاء غير فعال فهو لم يفلح مع العراق ولا مع إيران ولا مع كوريا الشمالية، وهذا غير صحيح البتة فهذه الدول عانت معاناة جمة منيجة الجزاءات الدولية، وليت جزءا بسيطا يفرض على الحالة الإسرائيلية.
لقد نص الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، على جزء من هذه الجزاءات التي لا تقع تحت حصر. مجرد طرح فكرة الجزاء الوروبي في حالة الضم الإسرائيلي وتنفيذها فكرة مرعبة لإسرائيل ولن تحتملها. حتى لو بدأت بجزاءات بسيطة مثل الزيارات والبحث العلمي مع المستوطنات ومنتجاتها، فإنها ستتطور حتما لوقف الصلات جزئيا أو كليا الدبلوماسية والإقتصادية والثقافية والتربوية والبريدية واللاسلكية والمواصلات على اختلاف اشكالها. هل أبالغ واسرح في الخيال، جائز، لكن الهدف يجب متابعته وبخاصة أن مناسبة الضم قائمة وقائمة الجزاءات طويلة ويمكن للأوروبيين أن يختاروا ما يناسبهم منها لشجب الضم.
دارت أحاديث وقرارات وتوصيات منذ الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة بقيت حبرا على ورق دونما فاعلية. لأول مرة تهدد أوروبا بفرض جزاءات على الحكومة الإسرائيلية إذا ما بادرت بضم الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد أن اعتادت واكتفت بصوت الجعجعة، فهل نرى طحينا هذه الأيام؟!