اقتصاد الحكمة: النجاح والإزدهار للجميع  Wisdom Economy

 د. ماهر خضر | رئيس منظمة أمم الحكمة – www.wisdomnations.org

رُبّما يذهب في ظن البعض أننا من خلال طرحنا لمفهوم إقتصاد الحكمة، فإننا نُنَاقِضُ مفهوم الإقتصاد الرأسمالي السائد الآن. وللتوضيح، لابد من الإقرار أن ما حققته البشرية في الخمسين سنة الأخيرة من تقدم وإزدهار قد يُعادل مُجْمَلَ إنجازاتها طِوَال خمسة آلاف سنة. ويرجع الفضل في كل هذا إلى ميكانيزمات الإقتصاد الرأسمالي وإقتصاد السوق الذي يقوم على المنافسة والبحث والتطوير المُستمر. ولطالما كان منظار الإقتصاد الرأسمالي مُوَجَّها للمستقبل ولإكتشاف مساحات جديدة وفُرص لم تُخلق بعد. فكانت النتائج عظيمة تمثلت في خلق الثروة والرفاه.

لكن ما يُعابُ على الإقتصاد الرأسمالي وإقتصاد السوق هو التّغَوُّل والتّوَحّش، حيث تتكدّس الثروة في يد عدد قليل من الرأسماليين، وبالتالي تُصبحُ قواعد اللعبة بأيديهم ويختل التوازن الإقتصادي وتنعدم العدالة في المنافسة، لينعكس كل ذلك على الميزان الإجتماعي، ويُصبح النظام الرأسمالي بِرُمّته في مرمى سهام النقد.

لذلك فإننا في اقتصاد الحكمة Wisdom Economy نتبنى مُنجزات الإقتصاد الرأسمالي وما حققه للبشرية من تقدم وتطور ساهم في رفاهية الإنسان، لكننا نعمل على حصر وتقنين تغَوُّل وتوَحّش هذا النموذج الإقتصادي وذلك من خلال إرساء آلية لتوسيع المشاركة والتشاركية الشعبية في كل مستويات الإنجاز.

ففي كل مشاريع الحكمة المُستقبلية سوف نَتَجَنَّبُ المُستثمر الواحد الذي يُمكن أن يتغول ويُكدس الأرباح والثروة، لنذهب في مسار توسيع قاعدة المساهمة العامة، خاصة من فئة الشباب، حتى نضمن أن يكون المُستهلك هو نفسه المالك. وبالتالي تتوحد المصلحة وينتفي الصِّدَام وتدور عجلة الإقتصاد في دورة أشبه ما يكون بدورة الماء الذي يتبخر ليُصبح سُحبا، ثم لِيَنْزِلَ مطرًا، ويتجمع في بِرَكٍ وبِحَارٍ ومُحِيطَاتٍ. ثم يتبخر من جديد وهكذا دون أن تضيع منه قطرة واحدة. إذ أن نفس كمية الماء الموجودة على الأرض منذ آلاف السنين مازالت تصعد وتنزل لتهب الحياة لملايين، بل مليارات الكائنات الحية.

كما أننا في إقتصاد الحكمة نُعِدُّ لإصدار مُؤشرات الحكمة Wisdom Indexes ونماذج نُضج الحكمة Wisdom Maturity Models، والتي نهدف من خلالها إلى تنظيم الإقتصاد وفق مُقتضايات الحكمة. ومثلما دخل العالم عصر الجودة Quality ومقاييس الجودة، فإننا نُعد العالم اليوم لدخول عصر الحكمة Wisdom ومقاييس الحكمة والتي ستغطي كل المجالات. ولعل أولها هو دليل الحكمة المؤسسية Organizational Wisdom Guide والذي يُؤسس لجيل جديد من المؤسسات الحكيمة Wise Organizations، تُحقق النجاح والربحية العالية لكن دون حَيٍْفٍ أو إضرارٍ أو تَعَدٍّ.

إن التشابكية والترابطية التي أصبحت عليها بنية الإقتصاد العالمي تتطلب منا دَرَجَاتٍ عُلَى من الوعي والحكمة، ولم يعد الأمر يحتمل أي ضرب من الأنانية أو الأُحَادِية أو النظرة الضيقة.

نحن اليوم في حاجة ماسة إلى تغذية الوعي بالصورة الكلية وضرورة العمل على توسيع دائرة المستفيدين والمتدخلين Stakeholders في كل المجالات. حيث كلما وَسَّعْنَا دائرة المشاركة أمام الجمهور في أي مجال من المجالات، كلما زادت فُرص النجاح والإزدهار والربحية.

لقد إنتفت التقسيمات التقليدية في الإقتصاد (مُنتجين ومُستهلكين) وذهبت أدراج الرياح، ولم تعد البنية الإقتصادية قائمة على طريق سيارة في إتجاه واحد، من المنتج إلى المستهلك. بل أصبحنا نتحدث عن علاقات تفاعلية وتشاركية تتعددى مُجرد سبر آراء المستهلكين.

الكلام في إقتصاد الحكمة يطول ولا تسعه العبارة، لكن تجدر الإشارة إلى أن مفهوم التأمين ظهر في الإقتصاد الرأسمالي ليخفف الأضرار عند الخسارة، أما في إقتصاد الحكمة فإن توسيع قاعدة المشاركة العامة سوف تلغي الخسارة، وبالتالي لن نتحدث عن رابح وخاسر في إطار لعبة لا صفرية Non Zero Sum Game.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى