حرية التظاهر السلمي
حازم القواسمي | فلسطين
في الدولة الدكتاتورية القمعية الاستبدادية ممنوع التظاهر بكل أشكاله، وممنوع التعبير عن الرأي بكل السبل وممنوع ان يسمع أحد صوتك وإلا فمصيرك معروف، إما الملاحقة والسجن والتعذيب أو الاغتيال. ممنوع أن تنتقد الرئيس أو الحاكم أو أي أحد من أفراد عائلته وممنوع أن تنتقد الحكومة أو حتى الحزب الحاكم، وهذا كان الحال في عالمنا العربي قبل عام 2011.
فهناك شعوب عندها تاريخيا ثقافة التجمعات والتظاهرات السلمية مثل الشعوب الأوروبية، وهناك شعوب عديدة لم تعتاد ذلك النمط من التعبير عن رأيها في أي شيء يخص الحياة العامة وعلى رأسها الحريات والحقوق السياسية والمدنية. ونعني بالمظاهرات السلمية أنها سلمية تماما، وذلك لا يعني فقط الاقتصار على عدم حمل السلاح أو ضرب الرصاص، بل ذلك يشمل عدم تخريب الممتلكات العامة والخاصة وعدم ضرب الأمن بالحجارة أو الزجاجات الحارقة أو أي شكل من أشكال العنف أو الضرر. لأن أي عنف من المتظاهرين هو دعوة صريحة لأجهزة الأمن بالعنف المضاد واستخدام القوة لصد عنف المتظاهرين حتى في أكثر الدول ديمقراطية. فما بالك في الدول مثل الدول العربية، التي وإن سمحت بالتظاهر السلمي على مضض، تكون أجهزتها الأمنية والمخابراتية متربصة للانقضاض على المتظاهرين واعتقال قاداتهم لأتفه الأسباب.
لذلك، مهم جداً نشر ثقافة التظاهر السلمي في عالمنا العربي لأنه من جهة حق للمواطنين للتعبير عن آرائهم ومواقفهم تجاه القضايا العامة، مهما كانت تلك الآراء ومهما كانت تلك القضايا، وهذا الحق يجب أن ينص عليه دستور الدولة حيث يُعتبر من النظام العام في القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومن جهة أخرى أداة من أدوات الضغط الحضارية على الحكومات من اجل التغيير بالطرق السلمية. وعادة ما تكون الأحزاب السياسية المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني في طليعة القوى التي تستخدم طريقة التظاهر السلمي للحشد والضغط وتعبئة الشعب من أجل قضايا محددة.
وقد رأينا في مصر على سبيل المثال، سواء في ثورة 25 يناير 2011 أو في ثورة 30 يونيو 2013، مناظر جميلة للمتظاهرين وهم يقفون بشكل سلمي حضاري، المسلم بجانب المسيحي، يقومون آخر النهار بتنظيف الساحات التي تظاهروا فيها وأكلوا وشربوا فيها، وينشدون الأغاني الوطنية وينصبون خيم الاعتصام والمسارح المؤقتة لإلقاء الكلمات بكل نظام وترتيب. وقد رأينا أيضا في الأردن حديثا في أكثر من مظاهرة سلمية، كيف يوزع رجال الأمن زجاجات الماء على المتظاهرين السلميين الملتزمون بالقانون. إذن، أثبتت الشعوب العربية أنها قادرة على أن تتظاهر سلميا بشكل حضاري لائق متى شاءت ذلك، وقادرة على أن تستخدم هذا الحق في التظاهر السلمي من أجل التعبير عن قضاياها ومواقفها.
إن الدولة الديمقراطية المحترمة تتعامل مع حرية التجمع السلمي لمواطنيها كنقطة قوة لإظهار سماحة ديمقراطيتها وازدهارها. فكل ما تطلبه من أي جهة تريد أن تقوم بالاحتجاج أو التظاهر سلميا على أمر ما هو أن تخبرها فقط بوقت ومكان ذلك التجمع، ليس لأخذ إذن الحكومة بل من أجل تنظيم الشوارع التي ستسير بها المسيرة وتخطيط حركة المركبات والحافلات وحركة الناس وحماية الممتلكات العامة والخاصة بل وحماية المتظاهرين أنفسهم عند الضرورة. وهذا هو دور الحكومة والأمن، دون التدخل في المسيرة وشعاراتها ومتحدثيها ومطالبهم، طالما يحترمون القانون ولا يحرضون على العنف والجريمة.
لقد ورد حق التظاهر في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948م، وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وإن منع أي حكومة للتظاهر السلمي أو التعرض بالأذى للمتظاهرين السلميين هو جريمة يعاقب عليها القانون الدولي، وهذا ما نص عليه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة (27) حيث لا حصانة لأحد حتى لو كان حاكماً أو وزيرا في حكومة. والأهم، أن الشعوب العربية ذاتها لم تعد تعطي الحصانة لأي حاكم أو حكومة، فقد اكتشفت قوّتها الكامنة منذ بداية ثورات عام 2011 وعلمت أهمية أداة التظاهر السلمي في إحداث أي تغيير يرغبه الشعب، سواء تغيير قانون أو حكومة أو حتى الحاكم نفسه. وأعتقد أننا ما زلنا في بداية مشهد التظاهرات السلمية في العالم العربي. والآتي أعظم.