نمسوتا.. مقطع روائي (2)

وسام محمد | مصر

ومع غروب الشمس أفتح عيني بحزن.. إن الموت خيب ظني ولكن الأمل داعبني  بميعاد جديد له لعله يأتي هذه المرة، وقمت بترنح من أثر الجوع فمنذ أيام لم أتناول طعاماً .

وهمستُ : ” منذ آخر تطفل لذاك السمج ” .

لم أكد أصل إلى كابينة الاستحمام حتى تناهت إلى مسامعي طرقاتٌ خفيفة على الباب ومن سيفعلها غيره، فذهبت متهدل الكتفين وفتحت له الباب وعدتُ دون النظر لوجهه عله يذهب  وأموت جوعاً وفي هذه اللحظة تراودني نفسي أن أقتله وأتعفن في السجن أو على حبل المشنقة .

” اممم كم تبدو جيدة هذه الفكرة ولذيذة جداً “.

باندهاش قال لي شادي : ” أية فكرة !! “.

لم أرد عليه وأكملت طريقي فلم أنتبه أني أفكر بصوتٍ عالِ .

وتحت شلال المياه عاودتني ومضات تراودني منذ فترة متشكلة في صور تختلط فيها يداي بالدماء وعيون جاحظة  باتجاه السماء، تتهدل جفوني ولا تمحى تلك المشاهد ومعها تزداد الوخزات بقلبي ويبدو أن الأمر جلل ليسبب لي كل هذا الدمار في قلبي.

وعلى مقربة مني سمعت صوت شادي ينادي: “هيا يا رجل ، سيبرد الطعام “.

 لم أجبه وبهدوء يعاكس البراكين الثائرة بقلبي وبلمسة على الحائط توقفت المياه وبقيت واقفاً مستمتعاً بانسحاب المياه من جسدي بهدوء كم أتمناه، ومن ثم خرجت لتأفف ذاك الشادي المستمر.

ووجدته قد أحضر الكثير من أصناف الطعام فأخبرته: ” أنت تعلم أني فقدت حاسة التذوق والشم فكل هذا لا يهم “.

بعدم اهتمام  لوح لي شادي بيده وقال: ” فلتأتي من سكات “.

وتحت عناد شادي مرغماً تناولتُ كل الطعام حتى شعرت أن معدتي ستخرج تحتضنه، ومن تخيلاتي الغريبة خرجت على صوت شادي وهو يقول بجدية: ” إلى متى ستظل على عنادك يجب أن تخضع لفحص نفسي، ولا نقاش في هذا هذه المرة” 

_ ” لا أريد ” .

ليتأفف شادي مكملاً: “لا أهتم، سآتي غداً لاصطحابك في الساعة السابعة مساءً “

أرجعتُ رأسي للوراء أنظر لسقف الغرفة السوداء وأقول باعتراض: _” أي تعنت هذا ، أخبرتك لا أريد” .

التفت شادي يعطيني ظهره وهو يجمع بقايا الطعام والعلب الفارغة منهياً النقاش بهدوء تام: “يجب أن تكون شاكراً بأنها ليست السابعة صباحاً، فكفى تذمراً  تبدو  مثل الأطفال”

وأضاف بعمد قبل أن يغلق الباب خلفه : ” أراك غداً أيها البروفسور ” .

لأغمض عيني غاضباً وأقذف بكأسٍ كان بيدي على الباب  صارخاً : ” يا لك من وغد ” .

وأنظر إلى قطع الكأس المهشم بتشفي وبشرٍ خالص وقررت أن أتركه لتتقطع قدماه  لعله يمل من المجيء .

وأطرق بيداي  بعضهما البعض بينما أقف لتنطفيء الأضواء وأسمح للظلام بأن يلفني من جديد ، ولكن تشوشت رؤيتي فجأة لا  أعتقد أنه مجرد انطفاء للضوء بل هو شيء أكثر قتامة، شيء مخيف كبئر أسقط فيه سواده الحالك شديد الوحشة، إنها تلك الومضات تعاود المجيء.

أتلفت حولي أحاول التكلم ولا أسمع حتى همساً، لا أتنفس … إنها تلك العيون الجاحظة مجدداً ولكن هذه المرة بصورة أوضح، أكاد أشعر بلزوجة الدماء تنساب من بين يدي، أشعر بأن قلبي يتفتت .. من تكون!! .. من أنت!!.

“أخرج من رأسي “.

أصرخ بدموع حارقة وأقع على ركبَتَي تتلوهما يداي طارقاً بهما الأرض في محاولة بائسة لإبعاد تلك الصورة المؤلمة، وأعود مجدداً للصراخ: 

“أرجوك اخرج من رأسي، لا أستطيع تحملك.. أترجاك إني أتهشم هنا ..أيها الموت أين أنت” 

وكأن العقل والقدر قد استجاب له ليسقط وقد توقف كل شيء ولكن لم يتوقف عن ذرف الدموع، فإن كان العقل قد نام فما زال القلب هنا يعاني .

يتبع…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى