الهوية الثقافية والإيروتك والنسوية في الشعر

د.موج يوسف | العراق
تحملُ الكتابة لغةً ذات خطوط تشبه بالخطوط والألوان في اللوحة، لكنّ اللوحة الفنية لا تحدد بمعيار معين من الخارج بل تحدد بذاتها ضمن ذاتها، وهذا النص الكتابي ولاسيما الشعري يصبح له قانونه الخاص ــــ وفق رؤية أدونيس ــــ ويصبح القانون تالياً للنص ومنبثقاً منه ولابد للكتابة العربية أن تسير وفق هذا الأفق كتابة تبتكر أشكالها فيما تكتب.

وفي صدد الحديث عن الكتابة العربية وتحديداً الشعرية قبل أن نبين مسارها لا بد من القول إنَّ الشعر الذي يعدّ أعلى درجات التعبير عن البوح الذاتي أخذ يسير وفق الإيضاح والسهولة فصار أداة تشرح وتعلّم، وهذه السهولة في اللغة جعلت القصيدة سلعة استهلاكية يروج لها لوقت محدود ثم تنتهي وعلى وجه الخصوص شعر الإيروتيك الذي هيمن على الشعر عند الأديبات العراقيات كما قالت عنهن الكاتبة والمترجمة لطفية الدليمي في مقال نشرته في صحيفة المدى في العدد4629 (تقتصر الأديبات الرافدينية مهمة الحضور النسوي على موضوعات الغواية والجنس وسيادة مبدأ اللذة وتغفل عن دور المرأة في صنع مفردات الثقافة ونصوص الحبكة والحب والأسئلة) وهذا النوع من الكتابة الشعرية صار سائداً في الأوساط الأدبية وله جمهوره الخاص بسبب تدني الثقافة وتمزيق الهوية الثقافية ايضاً، لكن من الغرابة أن نجد بعض من النقاد يشجعون على هيمنته أكثر بوصفه هوية ثقافية كما قال في ذلك د. سمير الخليل في مقالة نشرت له في جريدة الصباح العدد 4765 بعنوان (مقصديات البوح الانثوي) إذا يقول عن شعر ابتهال بليبل (إن بليبل قد منحتنا نصوص بوح أنثوية جسدية لا نفاق تعيد تحفيز التوازي في خصوصيات المجتمع الشرقي.. وإن فقدان القارئ المفتون لذاته الثقافية معناه فقدانه لجميع قيمها وذكرياتها ويغدو شعوره الاساس شعوراً جسدياً متعباً .. وهذا يعني من حيث المبدأ أنه لم يفقد ذاته الثقافية بالمرة، بل أن ظهوره مختلفاً هذه المرة عن نفسه ضمان لتلك الهوية الثقافية بعد أن حصلت على ثباتها من خلال سقوطها في المحظور، فنصوص البوح الانثوي هي المحظور الذي يحفز الهوية لثقافية على ان تبرز وتتأكد بشكل قوي بوصفها هوية لها تمزقاتها) ويكمل قوله مؤكداً على ثبوت الهوية الثقافية (الهوية الثقافية التي تناضل من أجل الصمود والثبات بوجه اجتياحات مقدس حول مقدس حول حياتنا إلى مدنس) .

لنا وقفة عند مسألة الهوية الثقافية التي هي وفق رأي د. الخليل أنها ثابتة وتناضل من الصمود والثبات . بدءً من ماهية الهوية التي أغفل عنها الدكتور هي نقيض الثبوت ، وهي ليست فيما ثبت ونضج ، بل هي فيما يتغير ولم يتضح بعد وإنها (في التفتح لا في التقوقع، في التفاعل لا في الاكتفاء والانكفاء) وهذا ما اتفق عليه الكثير من الباحثين بأنها فضاء متسع قابل للتجديد والتغير وفيما يخص الهوية الثقافية تحديداً أرى أنها تُبنى عبر توظيف الموروث التاريخي والحضاري والاسطوري وغيره في سياق الحداثة بل ايضاً يتلاءم مع صيرورتها ومستجداتها.

وبعد عملية سقوط النظام 2003 في العراق مُزقت الهوية المركزية وتلتها الثقافية ـــ وقد وضحت ذلك في مقال بعنوان الهوية الثقافية في آدم الأخير للشاعر عارف لساعدي ــــ عبر تهشيم الرموز الحضارية وهدم المتاحف وسرقتها ونهب وحرق الكتب والمكتبات العامة فضاعت اجزاء من هويتنا ، لكنها تُبنى عن طريق الشعر والأدب وهذا ما نجده عن أغلب الشعراء والكتّاب حين بنو هوية ثقافية في شعرهم عبر توظيف الموروث الحضاري لا توظيف الايروتك الذي وصفه د. الخليل على أن البوح الانثوي الايروتكي في شعر بليبل ظهر مختلفاً وكون الهوية الثقافية الثابتة، فأنا لست ضد هذه الرؤية لكنني لا اتقبلها بهذه الصورة فالايروتك في الشعر هو نزوع في الكتابة وليس هوية اطلاقاً . وأغلب الشاعرات العراقيات بل والعربيات ايضاً قد توجهت كتابتهنْ وفق هذا المنحى بل وصار أساسياً في شعرهنْ وهذا استطيع أن أطلق عليه نقدنا الثقافي إنه يحمل نسق (التعري) ايّ لا يحمل معنى مضمراً في مضمونه ولا يمكن تأويله فهو وليد لحظة تحمل مشهداً يروج لقصيدة استعراضية لا تبقى في ذات القراءة وتموت في لحظة انتهاء القراءة ولا يرسخ منها شيء في ذاكرة المتلقي.

وهذه الكتابات تظن كاتباتها إنها تعالج قضايا نسوية والتحرر والتمرد وهذا مفهوم خاطئ كون النسوية كما اتفق عليها أكثر الباحثين عبارة عن نعت سياسي يدعم أهداف حركة المرأة الجديدة، وعلى ضوئه تحدد النقد النسوي بإنه نوع خاص من الخطاب السياسي تطبيقي ونظري يلزم بالصراع ضد البطريك (الأبوة) وضد الجنوسة وليس مجرد اهتمام الجنس في الأدب ، وبعبارة أخرى إن مصطلح النسوية يصف كل الأفكار والمحركات التي تتخذ من تحرير المرأة أو تحسين اوضاعها بعمق.

هذه النظرية الحقيقة لمفهوم النسوية وليست التي تراها أكثر الأديبات العراقيات حين جعلنْ الايروتك اساس لكتابتهنْ أكثر من اهتمامهنْ بالجمال الشعري والقضايا الفكرية التي تحرر المرأة وتخرجها من نقاب الظلامية ، فنرى اللغة الشعرية خالية من الابداع واسلوب سهل ولا تحمل إي هوية ثقافية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى